03‏/07‏/2019

الطالبة أمينة زوجي تفوز بالمرتبة الثالثة في جائزة الشيخ فيصل للبحث التربوي


الطالبة أمينة زوجي تفوز بالمرتبة الثالثة في جائزة الشيخ فيصل للبحث التربوي
 
 
فازت الطالبة المغربية أمينة زوجي بالمرتبة الثالثة في جائزة الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني للبحث التربوي لسنة  2019، في دورتها الخامسة، في فئة طلاب الدراسات العليا؛ وهي جائزة سنوية تشرف على تنظيمها مؤسسة الفيصل  بالتعاون مع كلية التربية في جامعة قطر، وتمنح للمتميزين في البحث العلمي من الباحثين الأكاديميين، وطلبة الدراسات العليا، والمعلمين والقادة التربويين؛ بهدف تعزيز البحوث وإنتاج المعرفة، وتحسين الممارسات التربوية.
وقد تم تكريم الفائزين يوم الثلاثاء 16 أبريل، بحضور رئيس جامعة قطر الدكتور حسن بن راشد الدرهم، ورئيس مؤسسة الفيصل بلا حدود للأعمال الخيرية الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، والدكتور أحمد العمادي عميد كلية التربية في جامعة قطر، وعدد كبير من أعضاء هيئة التدريس والطلبة والطالبات.
 
عرفت الجائزة مشاركة أكثر من 400 باحث وباحثة، من مختلف دول الوطن العربي، وكان المركز الأول في فئة الدراسات العليا من نصيب الطالبة رحمة صالح العريمية من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمال، أما المركز الثاني فقد حصلت عليه الطالبة رانيا صوالحة من جامعة قطر. أما فيما يخص فئة الأكاديميين والأساتذة الجامعيين فقد حصل على المركز الأول كل من الدكتور عبد الله أبوتينة والدكتورة حصة صادق من جامعة قطر، وحصل على المركز الثاني الدكتور كاشف زايد وبترا جينسن من جامعة السلطان قابوس، أما المركز الثالث فقد عاد إلى الدكتور أحمد مصطفى من جامعة قطر وباحثين آخرون من جامعة ويسترن سيدني في أستراليا. وفي الفئة الثالثة التي تتعلق بفئة المعلمون والقادة التربويين، فقد حصل على المركز الأول الأستاذ ناصر جاسم المالكي مدير مدرسة أحمد منصور الابتدائية بقطر، أما المركز الثاني فقد حصل عليه الأستاذ إبراهيم عاطف سويلم من مدرسة خليفة الثانوية للبنين في قطر، وحصل على المركز الثالث كل من الأستاذ نبيل السائح والأستاذ حسام عسل من مدرسة حمزة بن عبد المطلب في قطر.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الطالبة أمينة زوجي، هي باحثة مغربية، تتابع دراستها في سلك الدكتوراه بكلية التربية في جامعة محمد الخامس، وقد شاركت في المسابقة ببحث محكم بعنوان "الأنشطة الترويحية الممارسة خلال الوقت الحر وعلاقتها بالتحصيل الدراسي". وهو بحث منشور بمجلة الطفولة العربية في العدد 72.
 بقلم صلاح عدناني
 
 

 

 

 

07‏/07‏/2018

الخوف مستشار سيء!



الخوف مستشار سيء!

La peur est un mauvais conseiller

جمال فزة*
ما أهمية وجود قوانين ناظمة للعلاقات بين الأفراد داخل المجتمع؟ 

لا شك أن أهمية القانون تكمن في تقنين العلاقات بين الناس. لكن، على ما يبدو، إنني اخترت التلاعب بالكلمات فحسب؛ فأنا لم أفعل شيئا غير تعويض الاسم قانون بمصدر فعل قنن، فهل يمكن أن نسمي هذا توضيحا؟! دعونا نسترسل في الإيضاح حتى لا نقع في شرك التعريف الدائري الذي أوصانا أرسطو أن نبتعد عنه؛ فلا أحد يمكن أن يرضى بتعريف الإنسان باعتباره كائنا إنسانيا ! ماذا يعني، إذن، أن يكون القانون تقنينا للعلاقات بين الناس؟ إن ذلك يعني أن القانون يضع الشروط الضرورية والكافية للتمييز في العلاقات بين الناس، حتى لا تختلط معانيها عليهم، فيسلكوا سبلا متفرقة بينما النوايا والغايات المتوخاة واحدة. القانون يحدد الشروط الضرورية والكافية التي تعطي معنى محددا ووحيدا للعلاقة، فيكون، والحال هذه، المرجع الوحيد في الحكم عليها. وتتسم هذه الشروط بالضرورة لأنه إذا غاب أحدها أو سقط التبس علينا المعنى، فضاعت من ثمة القاعدة التي من المفروض أن توجه السلوك، وهي كافية لأنها إذا حضرت تم الفصل في المعنى وارتفع اللبس ولم يتبق للفرد حجة على لزوم أن يتبع القاعدة نظرا لوضوحها التام.
نضع القانون بهذا المعنى في مقابل المناورة لأنه يحد منها، ويضيق من الهامش المتاح لها، ويجعل الأشياء تتخذ معان محددة بعيدا عن أي تلاعب بالألفاظ. وإذا كان كل مجتمع في حاجة إلى قانون، فلأن الأشياء في الأصل تحمل معان متاخمة لبعضها البعض، معان منسابة fluides، لا حدود بينها، قابلة لأن تنقلب إلى أضدادها، لاسيما حينما تؤول إلى دلالاتها الأكثر أصالة ونصوعا. من منا يمكن أن يميز بين الشجاعة والتهور عندما يتعلق الأمر بإنقاذ غريق تلتهمه أمواج بحر هائج يتعدى علوها المترين؟ ألا يبدو أن النتيجة وحدها، في هذه الحالة، هي ما يسمح بالفصل بين الشجاعة والتهور والتمييز بينهما؟ فإذا ألقى شخص ما بنفسه في البحر وتمكن من إنقاذ الغريق سميناه شجاعا، لكن إذا فعل الفعل نفسه والتهمته الأمواج الغاضبة هو والغريق معا سميناه متهورا. إن الحدود بين الشجاعة والتهور، التواضع والذل، الكرم والتبذير...حدود رفيعة جدا وهشة؛ لذلك فإن وجود قوانين يعني وضع قواعد وشروط، إذا ما توفرت سمحت لنا بأن نتفادى وضعية هشاشة المعنى، وذلك بتمييز الظروف والشروط التي نحكم فيها بأن هذا الفعل شجاعة وذاك تهور، وهذا الفعل تواضع وذاك ذل، وهذا الفعل كرم وذاك تبذير إلخ.
يبدو أنني، إلى غاية الآن، رجل قانون ينتمي إلى الاتجاه الوضعي. فالقانون، بالنسبة لي، ظاهرة اجتماعية، أي أن المجتمع يحتاج بالضرورة إلى إقامة قواعد تحكم سيره وتنظم العلاقات الاقتصادية أو السياسية بين الأشخاص المشكلين له؛ وهو أمر لا تقوم له قائمة إلا إذا كانت هذه القواعد تتمتع بوجاهة منطقية. وتستمد القواعد وجاهتها المنطقية من وضوح المعنى الذي تحمله، غير أن وضوح المعنى الذي تحمله هذه القواعد لا يأتيها من فحواها، ولا حتى من التركيب النحوي والمنطقي الخالص الذي يحكمها، بالرغم من أهميتهما معا، بل من الشروط السياقية التي يقع في إطارها الفعل. لذلك يحتاج القانون إلى التعريف بالشروط الدقيقة التي، إذا ما توفرت، سمحت لنا بالفصل في المعنى والحكم على أساس من الوضوح. على أننا ينبغي هنا أن نذكر بمبدأ أساسي هو أن الأصل في القانون هو البراءة؛ وهذا يعني أن وجود لبس في المعنى هو لصالح المتهم؛ حتى إذا أراد المدعي أن يدين المتهم، كان عليه لزاما أن يبين بأن حالته واضحة وجلية تنطبق تماما على الشروط التي تحددها القاعدة. فالبينة على المدعي كما هو معلوم.
رب معترض قد يضعنا في خانة من يوسع هامش المناورة، ومن ثمة خانة المشجع على الانحراف عن القاعدة. وحسبنا أن نرد عليه بأن إدانة الناس لا ينبغي أن تكون بالأمر اليسير؛ فذلك قد يدمر أحد الأركان الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وهو الحماية. إن القانون يجب أن يكون دقيقا، والمشرع حريصا على ألا يضيع حقوق الناس وخيراتهم المدنية، وفي مقدمتها الحياة والحرية. القانون، قبل أن يكون أداة للعقاب، هو في الأصل أداة لحماية الخيرات المدنية للمواطنين؛ ومن ثمة شرط إمكان التعاقد الاجتماعي نفسه. سيصرخ في وجهي البعض متحمسا: "أتسعى إلى تيسير إفلات المجرمين من العقاب بمجرد أن هناك نقص طفيف في الأدلة، ولأن المجرمين ينكرون ما نسب إليهم من جرائم؟" وحسبي أن أرد: "وهل من حقنا أن نضع أبرياء في السجون بمجرد ما تجتمع ضدهم بعض الشروط غير المكتملة بالرغم من أنهم ينكرون ما نسب إليهم؟ ماذا عساك أن تفعل لو كنت شرطيا تلاحق مجرما خطيرا على ضفة واد جارف وتوشك على القبض عليه فتريح الساكنة من تهديداته، لكنه للأسف عندما شعر بأنك اقتربت منه حمل طفلا وألقى به في الوادي؟ هل تنقذ الطفل أم تلاحق المجرم، الذي قد لا تتوفر لك مثل هذه الفرصة للقبض عليه؟ لم الأولوية في القانون؟ هل لصنع الخير أم لدحر الشر؟
عندما بلغنا خبر الأحكام الجائرة التي صدرت في حق معتقلي حراك الريف، وفي حق الصحفي المهداوي استنكر الجميع الخبر واستهجن الناس ما يعتوره من عبث؟ لكن الأمر، في الحقيقة، لم يكن عبثا، بل كان يعبر عن اشتغال مبدأ أو قانون الخوف. ليس الخوف من تسرب دبابات من دون أن يتم "التعشير!" عليها في الجمارك المغربية، بل قانون زرع الخوف بين الناس؛ لأنه حتى الظهور بمظهر العبثي الذي لا يأبه بالقانون لا يمنع المسؤولين في هذا البلد من الضرب بقوة. إن المعنى الوحيد لهذه الإدانة هو أن المشرع لم يضع القانون لحماية المواطنين، بل لإخافتهم. وبقدر ما يظهر الحاكم عبثيا بقدر ما يبعث ذلك في المحكوم شعورا بالخوف، معنى هذه الإدانة أن كل شيء ممكن وأن القانون ليس أداة للحماية.
ما الذي يحمي الناس، بعد إدانة المهداوي بثلاث سنوات سجنا نافذة، من شطط رجل دولة يوجه مكالمة عبثية لكل من يعارضه، ثم يدينه بعد ذلك على عدم التبليغ؟ ربما لن يفعل أحد ذلك، لكن الدولة تريد أن يعرف الناس بأن لا شيء يمنعها من فعله، فإذا شاءت ذلك فعلت!. إن عبث الحاكم وخوف المحكوم وجهان لعملة واحدة: حكامة جيدة شعارها: أفضل أحوال التدبير والحكم هي حالة الفزع والذعر.
إن السؤال الذي يجب طرحه في قضية المهداوي، والذي يستند إلى روح قانون يحمي قبل أن يعاقب، هو ما الشروط التي يضعها القانون للتمييز بين ما ينبغي التبليغ به لأنه جدي، وما لا ينبغي التبليغ به لأنه هراء يمكن أن نزعج به السلطات؟ إذا كان القانون لا يحدد الشروط الضرورية والكافية للتمييز بين الأمرين، فهذا يعني غياب قاعدة واضحة من شأنها أن تضع حدا بين شيئين يحملان معنيين متعارضين. لو كنا في دولة روح قوانينها حماية الحقوق وخيرات الأفراد لما كنا في حاجة إلى دليل يتعلق بنية المهداوي أو تقديره الخاص لجدية المكالمة التي تلقاها، وإن كانت تبعث في الواقع على السخرية. إن ما كنا سنحتاجه حقا هو التدليل على غياب الشروط اللازمة لتحديد متى يكون التبليغ واجبا وطنيا ومتى يسمى هذا التبليغ إزعاجا. وفي حالة اقتناع الجميع بأن هذه الشروط غائبة فعلا، فإن الأولوية تمنح مباشرة للبراءة وليس للإدانة لأن البينة تكون على المدعي وليس على المتهم. وفي الحالة التي يبين فيها المدعي أن النقاش ضروري، فإنه يتعين عليه أن ينقل النقاش من القانون إلى فلسفة القانون، مادام القانون في هذه الحالة لا يحدد بوضوح الشروط التي يجب أن يستند إليها الحكم. وفي مستهل هذا المقال ما يمكن أن يسعف في إثراء نقاش يدور حول الفلسفة الاجتماعية للقانون
فيما يخص تهمة الانفصال التي ألصقت بنشطاء حراك الريف، أود أن أثير الانتباه إلى مسألة مهمة؛ وهي أن الانفصال مفهوم معقد، بل بالغ التعقيد، ولا يوجد في الواقع ما ينطبق عليه هذا المفهوم. إن العلاقة بين المفاهيم المجردة ومعطيات الواقع علاقة بالغة التعقيد. ولا يمكن اختزال المفهوم في هذا المعطى المعزول أو ذاك. لنأخذ مثلا تبني اليسار الجديد بداية السبعينات من القرن الماضي لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. هذا الموقف كان من وراء إدانة عدد كبير من اليساريين ينتمون إلى منظمة إلى الأمام تحديدا. لكن هذا الموقف كان معلنا عنه في أدبيات المنظمة ومصرح به من طرف مناضليها. فأبراهام السرفاتي كتب في الموضوع أن قضية الصحراء تعتبر حجر الزاوية la pierre de touche التي نتمكن بفضلها من فرز الطروحات الثورية عن الطروحات الشوفينية. وهذا يعني أن الموقف من الصحراء كان يقع في صلب التصور السياسي للمنظمة، بل ويحدد خطها السياسي. الأمر إذن كان يتعلق بموقف وتصور سياسيين وبخط سياسي وتنظيم سياسي. وحينما اعتقل مناضلو اليسار الجديد دافعوا عن هذا الموقف وحينما قرر قسم كبير منهم مراجعة مواقفهم في المعتقلات، كان أول موقف طالته المراجعة هو الموقف من الصحراء.
لنعد الآن إلى حراك الريف. أن يدان شخص بالانفصال لأنه شوهد في المسيرات الجماهيرية يحمل علم جهوي يعبر عن الهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، فهذا أمر عبثي بامتياز غايته القصوى بعث الخوف في نفوس الناس. كيف ندين أفرادا بالانفصال وهم لا يعلنون انتماءهم إلى أي جهة سياسية، ولا يدافعون عن الفكرة أصلا. لا أحد يمكن أن يدعي أن حراك الريف منظم من طرف جهة سياسية ما، تضع انفصال الريف في صلب مشروعها أو حتى كنقطة هامشية من نقط برنامجها السياسي. بهذا المعنى لا توجد أركان مادية تثبت أن حراك الريف يتبنى علنا موقف الانفصال، وينتج خطابا سياسيا على أساسه، ويحرض الناس بخطاب واضح على تبنيه. في هذه الحالة، حيث تغيب جميع الأركان السياسية التي تفيد بأن نشطاء حراك الريف انفصاليين، وهي التصور والخط السياسي والتنظيم، ماذا عساه أن يعني رفع علم يعبر عن هوية منطقة أو جهة في مسيرات احتجاجية سلمية؟ 
أكيد قد يكون الشخص الذي يرفع العلم المذكور انفصاليا، لكنه قد لا يكون كذلك؛ فرفع علم المنطقة أو الجهة مؤشر ولا ينطبق لوحده على المفهوم. إن الانفصال مفهوم سياسي بالغ التعقيد ينطوي على تحزب إيديولوجي وتقدير سياسي للمرحلة، بينما رفع علم جهة أو منطقة فعل ملموس يحتاج إلى تعزيزه بمؤشرات أخرى عديدة حتى يعبر- وبتقريب- عن موقف نظري وسياسي. ففي غياب اعتراف بالموقف الانفصالي وتبنيه والدفاع عنه علنا وبصراحة في المحاكمات من لدن نشطاء حراك الريف، تبقى كل السلوكات مجرد مؤشرات يمكن أن تساعدنا على النفاذ إلى النوايا والدوافع الحقيقية من الحراك. وهو أمر لا علاقة لرجل القانون به إلا إذا كان همه زرع الخوف بين الناس. إنه أمر يهتم به السوسيولوجيون. فانطلاقا من مؤشرات ملموسة يتمكن السوسيولوجيون من أخد فكرة عن الدوافع الكامنة وغير المصرح بها والتي تحكم السلوكات الجماعية. لكن هل يعلم رجل القانون الشروط التي يضعها السوسيولوجي كي يقبل بأن حدثا ملموسا ما هو مؤشر على ظاهرة أكثر تعقيدا؟ هل يعلم رجل القانون أنه يوجد دليل indice يتكون من أكثر من 250 مؤشرا indicateur نستعمله- نحن السوسيولوجيين- للحصول على قياسات تقريبية لمفاهيم معقدة، فكم يحتاج القاضي من مؤشر ليضيفه إلى رفع علم الجهة حتى يحصل على دليل يعبر عما إذا كان نشطاء الريف انفصاليين أم لا؟ عفوا سيدي القاضي ! أنا لم أقم ببحث سوسيولوجي لأساعدك في الجواب عن هذا السؤال، لكن لو كنت تجتاز اختبار المراقبة المستمرة في مستوى السداسي الأول في شعبة السوسيولوجيا، وأجبت بأن مؤشرا واحدا يعبر بأمانة وصدق على مفهوم بالغ التعقيد؛ كأن نقول مثلا أن رفع علم جهة محددة يعني تبني موقف انفصالي، فكن على يقين أنك سترسب في الامتحان.
كيف يكون رفع علم الجهة دليلا على تبني موقف انفصالي؟! هذا هراء ما بعده هراء.. هذا جهل أتمنى أن يكون كذلك، حتى لا يكون مؤشرا على أننا ولجنا مرحلة إعادة بناء التعاقد الاجتماعي على أساس بعث الخوف في النفوس. اسمحوا لي أن أقدم لكم هوية من رفعوا أعلام تعبر عن منطقة الريف؛ إنهم مغاربة خرجوا إلى الشارع مكتوين بنيران الحكرة والتهميش.. أكيد سوف يرفعون علم جهتهم لأن المشاكل التي يعانون منها ليست هي المشاكل التي يعاني منها سكان الرباط، أنهم يشعرون بأنهم مغاربة من الدرجة الثانية. هي ذي معركتهم الحقيقية: معركة العدالة الترابية la justice territoriale ولأنها معركتهم الأولى والأخيرة، فإنهم قالوا نحن لسنا سكان الرباط، ولسنا سكان الدار البيضاء نحن سكان الريف، فماذا أذهلكم في هذا؟!! أنهم لم يخافوكم، وأنهم أفسدوا عليكم أساس حكامتكم الجيدة وشعارها المفضل : الخوف هو الخطوة الأولى باتجاه الحكمة؟ 

أيها المسؤولون! لا تستشيروا الخوف، إن الخوف مستشار سيء!

*كاتب وأستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط.



27‏/11‏/2017

التفاؤل الزائف والواقع المرير

التفاؤل الزائف والواقع المرير
 بقلم أمينة زوجي

غالبا ما نصادف عند اجتياز الامتحانات والمباريات المهنية، أسئلة حول استراتيجيات التنمية الاجتماعية والبشرية في المغرب، ودورها في الحد من ظاهرة الفقر، بيد أنه لم يطرح مسبقا أي سؤال عن استراتيجيات مكافحة سياسة التفقير، وعلينا كراغبين في الحصول على وظيفة وتوديع صفوف العطالة، أن نحرص على صياغة مقال وردي، يتفنن في تعداد حسنات الحكومة في بلورة هذه الاستراتيجيات، وما حققته من نتائج عالية الجودة، في حين تبقى أي محاولة للنقد أو التقييم معرضة للإقصاء التام، فنحن مجتمع يتخوف من هؤلاء الذين يجيدون حرفة النقد، يكره مواجهة الحقائق، ويخشى تسليط الضوء على نقاط ضعف برامجه، أو بالأحرى نقاط ضعف طريقة تطبيق هذه البرامج، فقد تعلمنا في إطار الاعداد لمباريات التشغيل، أنه حتى حينما يطلب منك الإدلاء برأيك الشخصي المعارض، عليك تقديمه بشكل دبلوماسي لبق، لتأتي التقارير الدولية لتقول ما نعجز عن قوله بشكل مباشر، حيث نجد أن المغرب لا يحقق أي تقدم في سلم التنمية البشرية، بالرغم من هذه الجهود المبذولة، وذلك باستقراره في المرتبة 130 حسب تقرير التنمية البشرية لسنة 2013، وهي مرتبة متدنية ومخزية في نفس الوقت.
لا أدري أين الخلل بالضبط، فحين نفتح القنوات التلفزيونية الوطنية نجد الحكومة تعمل على قدم وساق، نشاهد كما هائلا من التدشينات الضخمة، ونسمع عن ابرام عقود واتفاقيات دولية هامة... للوهلة الأولى تبدو لنا الانجازات عظيمة جدا في مجال التنمية الاجتماعية، والإحصائيات متفائلة على الاوراق دائما، فنسبة الفقر حسب الأرقام الأخيرة المتوفرة لدى المندوبية السامية للتخطيط لا تتعدى 8,9 في المائة، أي أقل من نسبة الفقر في الولايات المتحدة الامريكية نفسها، وحينما نتأمل عدد البرامج المسطرة بهدف تقليص نسبة الفقر والهشاشة الاجتماعية، وما يتخللها من مشاريع منجزة وأخرى في طور الانجاز، نتساءل عن السبب الذي يجعلنا رغم كل ذلك، لا نرى في هذا البلد السعيد غير ملامح البؤس والحرمان، تطالعنا مظاهر الفقر ومشتقاته من الظواهر الاجتماعية في كل مكان، في القرى والمدن على حد سواء، قد تؤلمنا أحيانا بما تخلفه في أنفسنا من آثار، وقد تكون سببا في إزعاجنا والتضييق على حريتنا أحايين أخرى كثيرة.
نعلم جميعا أن ظاهرة الفقر من بين الظواهر الأكثر انتشارا في العالم كله، وخصوصا في العوالم القروية بسبب ضعف الموارد، وغياب عدة محددات رئيسية، تتمثل في انعدام الولوجيات على غرار المراكز الصحية، الطرق والمدارس...، وترتبط في المدينة بقلة الامكانيات والكفاءات المهنية التي تخول لكل فرد الحصول على عمل يقيه من قسوة الفقر وتبعاته
ونرى أن المغرب بإيعاز من الدول المتقدمة، عمل على الانخراط في سيرورة محاربة الفقر والتقليص من تداعيات الاقصاء الاجتماعي والهشاشة الاجتماعية، وذلك عبر تبني سياسة اجتماعية تسعى إلى تحسين نوعية حياة الأفراد، تحقيق الرفاه، وضمان تكافئ الفرص، وقد تمثل ذلك في قيام المغرب بالاستثمار في مجال التنمية الاجتماعية بخلق مجموعة من المؤسسات، والتي تضطلع إلى جانب وزارة التضامن، المرأة، الأسرة والتنمية الاجتماعية، وباقي القطاعات، بمهمة تنفيذ برامج تنموية هدفها تمكين الساكنة الهشة والفئات التي تعاني من العوز المادي والوظيفي، نذكر من بينها التعاون الوطني، منظمة محمد الخامس للتضامن، ووكالة التنمية الاجتماعية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى مؤسسات القروض الصغرى.
وتبدو لنا منهجية هذه المؤسسات من الناحية النظرية على الأقل فعالة وشمولية، حيث تختلف طرقها في التعاطي مع مسألة محاربة الفقر، ففي الوقت الذي نجد فيه مؤسسة كالتعاون الوطني تتكفل بتقديم المساعدات المادية أو الخدمات كالإسعافات، الأدوية والملابس...نجد مؤسسات أخرى تهدف إلى خلق فضاءات اجتماعية لاحتواء الأشخاص في وضعية صعبة كدور المسنين، وبناء مراكز لإيواء المعاقين والأطفال المتخلى عنهم، من أجل القضاء أو التقليص من بعض الظواهر الناتجة إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن الفقر، كالتشرد، التسول والانحراف...
وتعمل مؤسسات أخرى بمبدأ الانتقال من دور المساعدة المادية إلى دور التمكين والتأهيل، عملا بالمثل الصيني "لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد"، عبر تشجيع المشاريع الصغرى وتعلم الحرف، لجعل الفئات التي تعاني من الهشاشة والاقصاء الاجتماعي والتهميش، قادرة على الانخراط في النسق الاقتصادي وبالتالي تحسين وضعيتهم المعيشية.
غير أن استمرار تفاقم ظاهرة الفقر، مؤشر على أن الجانب التطبيقي لهذه المؤسسات لا يوازي الجانب النظري، وشخصيا أشك في مدى قدرة هذه المؤسسات على مقاومة شبح الفقر في المغرب، لا لمحدودية مواردها ولا لضعف إمكانياتها، بل بسبب فساد الذهنيات وشيوع ثقافة النزوع لخدمة المصالح الشخصية لدى الكثير من المسؤولين، فنحن كمواطنين عادين، نلاحظ أن المساعدات والإعانات المقدمة من طرف بعض الجهات، لا تصل إلى من يستحقها دائما، بل تخضع للاستغلال والمساومة، فقد تستعمل في الترويج للحملات الانتخابية المبكرة، وقد يحصل عليها ميسورين بأثمان زهيدة أو مجانا، وربما أقرب مثال يمكن التركيز عليه، يتمثل في بطاقة "راميد" المخصصة للمعوزين للاستفادة من الخدمات الصحية مجانا، والتي تمكن حسب ما أوردته بعض الصحف الوطنية أزيد من 220 ألف ميسور الاستفادة منها على حساب الفقراء، بتواطؤ مع بعض رجال السلطة.
دائما وللأسف نجد أنفسنا أمام عملية استغلال المناصب والنفوذ، لاحتكار خيرات البلاد، وهنا نستحضر حالة الموظفين الأشباح الذين يتقاضون رواتب شهرية مقابل عمل لم يؤدوه يوما ما، ونفس الشيء ينطبق على "الكريمات" والتي هي عبارة عن هبات ملكية، يفترض أن تمنح إما للأشخاص الذين ساهموا في رفع راية المغرب في المحافل الدولية في مجال معين، أو تمنح للأشخاص المعوزين على سبيل المساعدة والإعانة كالمعاقين أو النساء بدون موارد...، غير أن الكثير تمكنوا من الحصول عليها عبر الادعاء والخداع.
أعتقد أن ما نحتاجه لمحاربة الفقر قبل إنشاء أي مؤسسة، أو تسطير أي برنامج، هو محاربة بعض الذهنيات السائدة، مقاومة شبح الجشع المستشري في هياكل المجتمع، حيث صار كل شيء يباع ويشترى بدون وجه حق، الوظائف، الاعانات، الأدوية والقيم كذلك أصبحت مجردة من محتواها الأخلاقي.
إن الفقر ليس قدرا أو قضاء إلهي محتم، يجب التسليم به، على أساس أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسة مائة سنة، بل هو فعل إنساني مقصود أو غير مقصود نتيجة استحواذ فئة صغيرة على خيرات فئة أخرى لا تدرك أن لها حقوقا، في إطار تقاعس أو تواطؤ الجهات المنوطة بحماية وضمان هذه الحقوق، ويمكننا بالأحرى اعتبار أن الفقر ما هو إلا نتيجة سياسة تفقيرية، يمارسها كل إنسان ساهم بشكل من الأشكال في استمرارا ممارسات فاسدة في المجتمع ولو بالصمت وعدم الاكتراث، ونختتم هذا المقال بقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي "اذا رأيت فقيرا في بلاد المسلمين فاعلم أن هناك غنياً سرق ماله".


*باحثة في علم الاجتماع

ملحوظة: نشر هذا المقال بموقع ديوان العرب بتاريخ السبت ٥ نيسان (أبريل) ٢٠١٤  

23‏/10‏/2017

الإسلام السياسي وأزمة الانتماء في ضيافة العدد الجديد من مجلة ذوات

الإسلام السياسي وأزمة الانتماء في ضيافة العدد الجديد من مجلة ذوات


 إعداد قسم التحرير

يتمحور ملف العدد الجديد من مجلة ذوات الثقافية العربية الإلكترونية الأربعون، حول موضوع "الإسلام السياسي وأزمة الانتماء"، هذا الموضوع الشائك الذي يحظى في الوقت الحالي باهتمام كبير بالنظر إلى القضايا الجدلية المنبثقة عنه، حيث حاول الملف الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الشائكة على غرار: هل يعتبر الإسلام السياسي رد فعل على أزمة هوياتية؟ وهل يمكن اعتبار الإسلام السياسي قومية ذات هوية دينية؟ وهل ترتبط ظاهرة الإسلام السياسي بتصورات وتأويلات خاصة للإسلام؟ وما موقع فكرتا الوطن والأمة في بناء الإسلاميين لهوياتهم الخاصة؟ وما هو تأثير الحداثة والعولمة والغرب في ترسيخ الانتماء الديني كأهم عناصر بناء الهوية الإسلامية لدى الحركات الإسلامية السياسية؟

قام بإعداد الملف الباحث والمترجم المغربي حسن أحجيج، وساهم فيه مجموعة من الباحثين من مختلف أنحاء العالم العربي، ومن مرجعيات علمية متعددة. حيث ضم أربعة مقالات هي: "الإسلام السياسي وأزمات الهوية، والغرب، والحداثة" للباحث إسلام سعد" و"مرجعيات قاتلة..الخطاب الدعوي وأوهام الاستلاب الهوياتي والقومي" للباحث عبد الله هداري، و"الإسلام السياسيّ و مشكلة الانتماء: هويّات ناجزة في عالم متغيّر" للباحث أنس الطريقي، و"تديين الدولة الحديثة توفيق أم تلفيق؟ البيعة والعقد الاجتماعي أنموذجاً" للباحث عبد الباسط سلامة هيكل، إضافة إلى حوار أجراه معد الملف مع الأكاديمي المصري أشرف منصور.

تشتمل المجلة على أبواب أخرى تضم مقالات في مواضيع مختلفة، وهي باب "رأي ذوات" وباب "ثقافة وفنون"، وباب "حوار ذوات" وباب "سؤال ذوات".

وتجدر الإشارة إلى أن مجلة ذوات، هي مجلة عربية شهرية، صادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، انطلقت سنة 2014، ورئيسة تحريرها الصحفية سعيدة شريف.


رابط الاطلاع على المجلة: 
رابط الاطلاع على العدد بصيغة pdf 


جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©