مبروك علينا استنسخنا أبا
لهب!
إعداد: محمد مكاوي *
اندلعت النقاشات حول شرعية الانتخابات وشرعية
المنتخبين، علما أن الذي
جرى وسيجرى، هو استبدال صنم بصنم، وأن الصنم الأول لا يقل دكتاتورية عن الصنم الثاني، كلاهما اغتنيا بعد إفقار
القبيلة، وانتعلا ذهبا بعد سرقتها، كلاهما حولا القبيلة إلى ضرع بقرة لآلهم وصحبهم
وذويهم ؛ والذين قد يطالبون بتوضيح خيوط
اللعبة يوصفون بالمتآمرين الملحدين الجاحدين، وإذا ما زادوا في المطالبة بحقهم في الهواء، عليهم أن يتخنتوا ويتعطروا
ويتكحلوا ويحمدوا الله وأتباع الأصنام على العدل والخير والديموقراطية.
وسط هذا الطوفان، وفي ظل الولادات
العجيبة والاختراعات الفريدة، والانتخابات ربيبة الديموقراطية، والبحث عن
التحالفات، أردت أن أعبر عن كوني سأخترع
كائنا من اللحم والدم، يتقن بمهارة عالية
كل هذه الألاعيب، سأكون سباقا لأصنع المعجزات، وأسد أفواه المتهكمين الكارهين
للشعوب العربية الساخرين من قدراتنا ومن ديموقراطياتنا ومن انتخاباتنا.
لمحت بعض القمامة " أعز الله
وجهكم وشرف قدركم " قرب بيتنا الطيني، وجثة كلب بلدي دهسته سيارة رباعية
الدفع على الطريق المعبد، فأخذت مشرحا
واتجهت أبغي قطعة من معيه الغليظ.
كممت فمي وأنفي بيدي تفاديا لاستنشاق رائحة جيفته الكريهة، التي تحللت
ونشرت روائح أخرى جلبت الكثير من الذباب والدود.
دنوت منه ويا ليثني ما فعلت، انتفخت الجيفة كثيرا، وظهرت أسنان الكلب
مبتسمة والذباب ينسل من فتحة فمه جيئة وذهابا. عيناه باهتتان ترمقان الأفق المحدود
والكثير من الدود بألوان وأحجام يحوم حوله،
يعد أهم عضو في مثل هذه الكائنات الجيفة، هو المعي الغليض، لأنه يمتد من الفم إلى
المؤخرة وباقي الأعضاء ملتصقة به.
أمسكت المشرحة وشرعت في بقر بطن الجيفة، التفت يمينا ويسارا بحثا عن قطعة
بلاستيكية ألم فيها قطعة من المعي الغليض،
ملايين الذباب الأسود والأزرق والأخضر،
وملايين الدود التصق بالمعي، ومع
ذلك بترت ما يقدر بعشر سنيمترات، ولممته
في قطعة بلاستيكية، ثم غادرت المكان بحثا عن هواء نقي.
الحقيقة أننا لسنا محتاجين للبحث العلمي، لأننا نصنع جينيا الشيء من لاشيء، ونحول الشيء إلى لاشيء، الكثير من الجيف في
دروبنا وأزقتنا وجماعاتنا ومؤسساتنا
ومنتخبينا روائحهم تزكم الأنوف أكثر من رائحة جيفة هذا الكلب.
قبل خمسين سنة صنعت لنا هذه الجيف البشرية معجزة الجهل والقهر والبطالة والفقر،
وبعد خمسين سنة حرصنا على دعمها وصيانتها بقوانين منقولة من الكتب القديمة، توزعوا
في كل جهة وفي كل جماعة وقرية، هدموا كل
الأشياء الجميلة ورحلوا دون محاسبة.
منذ خمسين سنة ونحن على نفس الخوف والهلع، سائرين كجثث منزوعة الدماغ.
امسكت قطعة المعي الغليظ ونفخت فيها كثيرا من التزلف والتملق والتودد
والنفاق، ووضعت شعرات من الزغب حيث نعلم،
وشددت الكل بربطة العنق ثم أوصلت مقدمة المعي بخيوط التحكم عن بعد لأنتهي بأنني
سويت أبا لهب.
أحببت أبا لهب حبا جما، فهو من
صنعة يدي جمعت حولي القبيلة وقلت لهم يا
قوم هذا الذي بين أيديكم هو أبو لهب المنتظر، حيث تجمع الناس الضعفاء حوله فانتخبوه في الدرب والجماعة، ومثلها في
المنتظمات الدولية، وسمعته متعجبا من أمره،
يخطب في الناس بلغة فصيحة البيان، يعدهم بآلاف الوعود والناس يسمعون. وحين
انصرفوا لحال سبيلهم قلت له :
يا أبا لهب لقد استنسختك من جيفة كلب.
فمد إلى يده بقوة ليخنقني وقال :
منذ اليوم أنا السيد ولا سيد إلا
أنا وإلا فارحل.
ملاحظة : لن أرحل حتى أقضي على أبي لهب
المستنسخ وإن شئت عزيزي القارئ أنت تفعل فلست حرا
مع الشكر
*مفتش تربوي وباحث في
قضايا الاعاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق