14‏/09‏/2015

لمحة عن رحلة ماركيز دو سيكونزاك بالمغرب

لمحة عن رحلة ماركيز دو سيكونزاك بالمغرب

إعداد: هاجر لمفضلي*


مقدمة                                                                                                      

ماركيز دو سيكونزاك  من بين الرحالة الذين اهتموا  بالمغرب، وجاء ذلك نتيجة الخلفية التي شكلتها الرحلة الاستكشافية التي قام بها  شارل  دو فوكو حول المغرب، في القرن التاسع عشر.        
وقد قام سيكونزاك برحلته ما بين  1899 و1901،  حيث غلب عليها الجانب الجغرافي، الطبوغرافي، بالاعتماد على مجموعة من التقنيات الأساسية ونذكر منها، الصور والمذكرات....                                                                                                                 
كما اعتمد بالإضافة إلى ذلك، على الملاحظة المباشرة، وعلى المقابلة أثناء مكوثه في ضيافة الشيوخ والقواد، واستقاء المعلومات من حديثه مع سكان المناطق التي تواجد بها.
زار ماركيز دوسيكونزاك كل من: الأطلس الكبير، سوس، منطقة الريف وجبالة، ومنطقة الأطلس الكبير وحوض ملوية.                                                                                    
انطلاقا من هذه المناطق قسم سيكونزاك رحلته إلى ثلاث مراحل أساسية، وهذا ما سنحاول رصده في هذا المقالة، من خلال أهم الملاحظات التي جاءت بها رحلته، فضلا عن القيمة العلمية والمعرفية لهذه الرحلة الاستكشافية.
1- المراحل الثلاث لرحلة سيكونزاك
كما سبق وأشرنا فإن الرحلة التي قام بها دو فوكو، كانت لها ملامح قوية، أثارت شغفا لدى سيكونزاك، لاسيما إذا وضعنا ذلك في الإطار العام لهذه الرحلات الاستكشافية، وذلك من خلال  وعي الأوساط الاستعمارية بأهميتها، وبالتالي فإن سيكونزاك حصل على مساعدات مهمة بهذا الصدد.
إن الرحلة التي قام بها سيكونزاك تميزت بثلاث مراحل أساسية:
 - المرحلة الأولى: 31 أكتوبر 1899 ، زار فيها سيكونزاك منطقة مراكش في فصل الشتاء، في اتجاه كل من: الاطلس الكبير، تارودانت، تزنيت وأكادير.
رافقه في هذه المرحلة كل من الشخصيتين الصادق الملياني وهو مواطن جزائري وخادمه المدعى بحمو عبد الرحمان.
المرحلة الثانية: كانت  بتاريخ 27 يناير1901،  وزار خلالها سيكونزاك منطقة جبالة، مرورا بكل من: وزان، فاس ومليلية.                                                                                                         
رافقه خلال هذه المرحلة كذلك الحاج الصادق الملياني، لكن نظرا لأن خادمه قد هرب بعد أن افتضح أمره في تواجده بالأطلس الكبير، فهذه المرة سيصاحبه شخص من الزاوية الوزانية.
وتجدرالإشارة هنا إلى ملاحظة أساسية تتجلى في أن سيكونزاك قد تنكر في هيئة تاجر ليبي مسلم.
المرحلة الثالثة: كانت في5  ماي 1901،  زار خلالها  سيكونزاك كل من: الأطلس المتوسط وحوض ملوية، مرمرا بكل من: فاس، أزرو و تازة.                                                                                                                                                     
خلال هذه المرحلة، نلاحظ المشاركة والمساهمة الفعلية للزاوية الوزانية، حيث لعبت دورا كبيرا في هذه الرحلة، وبالتالي فإن الأوساط الاستعمارية كانت على وعي بدور الزوايا في المغرب، لكن التفسير الذي يقدمه الباحث الدهان ضمن هذا الصدد، يتجلى في الارتباطات القوية بين شرفاء وزان، وبين القنصليات الأجنبية بطنجة، " حيث إن الحكومة الفرنسية بدأت تفرض على الشرفاء طلب رخصة لجمع الزيارة بالجزائر التي كانت آنذاك تحت النفوذ الفرنسي، وقد كانت فرنسا تربط الحصول على هذه التسهيلات بخدمات تطلبها من زبنائها بوزان".
كما أن الباحث الدهان يرى أن الشريف الوزاني كان بالإضافة إلى ذلك، يحصل على هبات كثيرة وترسيخ للعلاقات بين القبائل والزاوية الوزانية، انطلاقا من مصاحبته لسيكونزاك.
2- المجتمع المغربي عند سيكونزاك
قدم سيكونزاك من خلال رحلته، وصفا دقيقا لكل الطرق التي سلكها، بما في ذلك الجبال والوديان، كما أنه رصد لنا أسماء القبائل التي قام بزيارتها.
 أ- مجتمع ريافة وجبالة انطلاقا من فكرة السيبة                                                 
انطلاقا من طنجة نحو فاس، اتبع سيكونزاك الطريق التي تمر من القصر الكبير ووزان، ليصف لنا الجهات الأربعة في هذه المنطقة. لكننا لا يهمنا الجانب الجغرافي، الطبوغرافي الدقيق، بقدر ما يهمنا أهم الملاحظات التي نقلها عن هذه المجتمعات.
يمكن القول إن سيكونزاك قام بوضع مقارنات أساسية بين: مجتمع ريافة ومجتمع جبالة، بناء على فكرة أساسية تتمثل في بلاد السيبة.
وبناء على العيون الزرقاء التي يتسم بها بعض السكان الريفيون، فإن ذلك جعل سيكونزاك يعتبر منهم عرقا غير مغربي، وقد اعتبر أن المجتمع الريفي هو بالأساس مجتمع منغلق أمام الأجانب، ويتميز بانعدام الأمن وبالوحشية، وأشار إلى أن الناس يتجولون دائما برفقة السلاح، ورغم هذه الوضعية الاجتماعية المضطربة، فإن سيكونزاك لم يتعرض لأي محاولة قتل، لا سيما وأنه كان غالبا ما يمشي على رجليه في مسار 3200 كلم.
في حين اعتبر سيكونزاك مجتمع جبالة، مجتمع اللصوص، حيث لاحظ أنهم ينزلون إلى ساحل الجبل قصد سرقة قطعان الناس ومحاصرة المدن والقرى، واعتبر أنهم يذبحون الناس ويبيعون النساء والأطفال كماشية. لكن أمام كل هذه الخصائص "الوحشية" التي اعتمدها سيكونزاك في وصفه لهذا المجتمع، فإنه يخبرنا عن التعايش الحاصل بين هذا المجتمع وبين أقليات يهودية.
تطرق سيكونزاك كذلك إلى جوانب أخرى في وصفه للحياة الاجتماعية بهذه المنطقة، مثل طريقة اللباس عند كل من جبالة وريافة، واعتبر أن النساء بهذه المنطقة لهن سمعة متفوفقة في الجمال.
أما على المستوى الديني، فقد اعتبر سيكونزاك هذه المجتمعات تتميز بالجهل والايمان الفاتر، وأن عباداتهم الدينية تقتصر على الممارسات الخارجية لا غير. إن رجال الدين بهذه المنطقة، يخلقون تراتبية، لاسيما من خلال عبادة الأولياء، التي اعتبر أن لها آثار عصور قديمة مرتبطة بالأساس بشمال المغرب. كما أن كل قبيلة لها أولياء سواء أحياء أو أموات، والذين يعتبرون شرفاء. بالإضافة إلى أن سيكونزاك وصف الطريقة العمرانية للضريح الذي يتميز بالقبة الخضراء، والولي الذي يتواجد به يتميز بالتقوى عن الساكنة الأخرى، والمار بجانب هذا الضريح فإنه يدور حول ما سماه الحويطة، أو أنه يقوم بتقبيلها، حتى لو جهل أصل ذلك القبر.
بالنسبة لعلاقة هذه القبائل بالمخزن، فإن كل دوار له زعيم ينتخب من طرف الجماعة،  وأحيانا تعين القبيلة قائدا يلعب دور الوساطة بينها وبين السلطان، أو بينها وبين القبائل المجاورة. وأثناء الحرب فإنه يتم انتخاب شيخ لإجراء العمليات الأساسية في ذلك.
تتميز بعض القرى بمستوى معيشي مرتفع، أو على الأقل تحقق استقلالا ذاتيا رغم قلة الأراضي، وأمام صعوبة السيطرة الكاملة للسلطان على القبائل الريفية المتمردة، فإنه يكتفي بالاعتراف الرمزي لقواد المنطقة والمتمثل في الهدايا أثناء المناسبات والأعياد. كما أن للمخزن رجال سريون يقومنون بدور الإعلام عن الخلافات بين القبائل، وقد يلجأ المخزن لاستعمال العنف  من خلال الجهاز العسكري.
 ب-  مميزات مجتمع الأطلس المتوسط                                                                  
اعتبر سيكونزاك أنه بشكل عام، يمكن إثبات أن العرب يقطنون الهضبات الخصبة، بينما البربر والذين اعتبرهم العرق المحلي، فإنهم يظلون لاجئين في الجبال التي تغطي ثلثي مساحة المغرب، نتيجة الغزوات المتواصلة.
تحدث سيكونزاك كذلك عن اللغة؛ بحيث اعتبر أن تامزيغت هي الجذور الجماعية لجميع اللهجات البربرية، إلا أنه لا يتم الكتابة بها، في حين تبقى اللغة العربية هي اللغة التجارية لبلاد السيبة، إنها بذلك اللغة الحصرية، وبذلك فهناك تنكر للجذور البربرية حسب سيكونزاك.
إن مجتمع الأطلس المتوسط، يتميز بالعنف وخشونة الطبائع، إلا أنهم رغم ذلك لهم تمسك بقيم الحرية والشجاعة.
يعيش الرحل في الدوار، يقومون برعي كم هائل من الأكباش والبقر، في حين إن المستقرين يسكنون المدن والقرى المحصنة، ويعتمدون على الزراعة قرب السهول والوديان، وقد لاحظ سيكونزاك أن القساوسة يعتمدون على الزراعة، وهم ينحدرون من الأطلس ولهم نفس النسب، إلا أن هذا الوصف يتنافى مع ما اعتبره، أن المسيحيين يتعرضون للقتل، وبالتالي فإنهم يعيشون في عدم استقرار داخل بلاد تتميز بالسيبة.
على المستوى الديني، فإن سيكونزاك اعتبر أن بربر الأطلس لا يسمعون شيئا لا عن القرآن ولا عن الصلاة، فهم بذلك يتميزون بالجهل، والإيمان الفاتر. وبالنسبة لعباداتهم فهي تقتصر على ما هو ظاهر ومؤقت، وليس للعقيدة الروحية والصوفية أي سيطرة على هذا الجهل المتفشي، وبربر الأطلس حسب سيكونزاك يؤمنون بالخرافات والشعوذة والمعجزات العربية.
اعتبر سيكونزاك أن المرأة البربرية، تتمتع بحرية؛ وأن لها نفس الدور المسند للرجل، ولا ترتدي أي نوع من الحجاب. كما أن ماركيز دو سيكونزاك اهتم في وصفه كذلك بمجموعة من الطقوس التي ترتبط مثلا بالزواج وبكل ما يخص علاقات الزواج والطلاق، وما للمرأة في ذلك من حقوق ومن واجبات.
بالنسبة للوضعية السياسية بالبربر، فقد اعتبر سيكونزاك أنه من الصعب تحديدها بدقة، إلا أنها بشكل أو بآخر، تفصح عن النزاعات القبائلية قصد تقسيمها والسيطرة عليها، وقد يعلن السلطان التمرد، في حين تبقى للشريف السيادة الدينية لبلاد المخزن، بالاعتماد على السلطة الروحية التي يستمدها من كونه شريفا، بمعنى أنه ينحدر من سلالة النبي.
تتلقى بعض القبائل إعانات ودعم من المخزن، لتوفير الأمن بالنسبة للقنوات التجارية التي تؤدى إلى كل من فاس، مكناس وتافيلالت.
تطرق سيكونزاك كذلك لوضعية القبائل بعد وفاة الحسن الأول؛ بحيث إنها امتنعت عن دفع الضرائب، وتميزت بالصراع المستمر بين بعض القبائل، مثل قبيلة غياثة، وقد كانت السلطة تراقب كل ذلك من خلال الرجال السريين المحليين.
وجد سيكونزاك وضعية منعدمة للأمن، لاسيما تازة التي اعتبرها مفتاح الطرق، لقد كانت تعاني من حصار مشدد، رغم وجود قائد بها، وفي الأطلس الكبير، كانت نوعية العلاقة التي تربط القواد بالمخزن، حسب سيكونزاك، تتميز بقوة نفوذ القواد،لاسيما الكندافي.
إن هذا الوصف الذي يقدمه لنا سيكونزاك، من خلال رحلته للمغرب، يدفعنا للتساؤل حول مدى وجاهتها العلمية، وبالتالي مصداقيتها كمرجع نعتمده لمعرفة مرحلة تاريخية معينة، لها مجموعة من الخصائص المختلفة للمجتمعات التي درسها سيكونزاك، من مختلف جوانبها الاجتماعية، الدينية والسياسية.
خاتمة
من خلال رحلة سيكونزاك حول المغرب، يتضح لنا مدى الوفرة التي قدمها لنا حول معطيات متنوعة حول المجتمع المغربي، من خلال المناطق التي قام بزيارتها، لاسيما على المستوى الطبوغرافي الدقيق، خصوصا أننا لا نتوفر على معطيات كثيرة حول هذه المناطق
سوى بعض المقالات من طرف الضباط الاسبانيين .
رغم الأهمية المعرفية التي تقدمها لنا رحلة سيكونزاك، من خلال الوصف المدقق الذي قدمته، فإن الأطروحة المتمثلة حول بلاد السيبة وحول انعدام الأمن، ظلت واضحة في كتاباته، بالإضافة إلى التناقضات التي رصدها، والتي سبق لنا وأشرنا إليها.      
قد بين الباحث الدهان، أن هناك مغالاة على هذا المستوى الأمني الذي وصفه سيكونزاك، لاسيما في الريف، في حين يبقى الصراع بين القبائل ظاهرة أنتروبولوحية، في تاريخ المغرب، فالأمر إذن لا يخص فقط المنطقة الريفية. كما أن الباحث الهراس  سبق ووضح من خلال أطروحته، أن المجتمع المغربي لم يكن شتاتا من المدن والقبائل، ولا كيانا منقسما إلى مناطق لا رابط لها، وإنما كانت له سلطة قد يتسع نفوذها وقد يضبق. وبالتالي فإنه رغم تدني بعض المستويات الاجتماعية التي وصفتها لنا رحلة سيكونزاك، إلا أن ذلك لا يعني انعدام الأمن بصورة مطلقة، كما لا يعبر بصورة مطلقة على وجود بلاد السيبة، أو غياب النظام.                                                                                                                                                                                                                                      

المراجع المعتمدة                                  
· الهراس المختار، القبيلة والسلطة – تطور البنيات الاجتماعية في شمال المغرب-، المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني.
 ·  الدهان محمد، الرحلة بين الشرق والغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم 110
·     Zimmermann Maurice. Le comité du Maroc. Mission du comité sous la direction du marquis de Segonzac. In: Annales de Géographie, t. 13, n°70, 1904. pp. 372-373.
·     Zimmermann Maurice. Mission du comité du Maroc. Explorations de MM. de Segonzac, Gentil, de Flotte de Roquevaire. In: Annales de Géographie, t. 14, n°75, 1905. pp. 285-286.
·     de Segonzac M. Voyages au Maroc (1899-1901). In: Annales de Géographie, t. 12, n°62, 1903. pp. 120-129. doi : 10.3406/geo.1903.6302


*طالبة باحثة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©