مراكز تأهيل المدمنين ودورها في إعادة إدماج
الشباب المقلع
إعداد أمينة زوجي*
مقدمة
سن المغرب مجموعة من
السياسات العمومية الموجهة إلى الشباب، لاسيما تلك التي تتعلق بمكافحة آفة
المخدرات والحد من الإدمان عليها، لما لها من تداعيات خطيرة على أمن المجتمع
وإستقراره. فقد عملت الحكومة منذ سنة 2004 على تبني استراتيجية وطنية، تروم تخفيض
نسبة العرض عن طريق تقليص المساحات المخصصة لزراعة القنب الهندي بمدن الشمال،
واقتراح زراعات بديلة، إلى جانب تشديد المراقبة على الحدود، باعتبار المغرب يشكل محطة عبور مهمة لأنواع مختلفة من المخدرات
الصلبة.
ولكن رغم كل هذه
الجهود المبذولة، التي أشاد بها وزراة الخارجية الامريكية، فهي تبقى غير كافية
لمحاربة مشكل الإدمان وإقبال الشباب على
المخدرات، لهذا تم ادراك ضرورة نهج سياسة شمولية، تهدف بالموازاة مع ذلك إلى
محاولة تقليص نسبة الطلب، عبر التحسيس، وعلاج المدمنين ومحاولة إدماجهم في
المجتمع، من خلال إنشاء مجموعة من المراكز
بعدد من المدن.
وعليه، سوف نحاول في
هذه الورقة، تسليط الضوء على هذه المراكز ودواعي انشائها وكيفية اشتغالها، والتعرف
على مدى فعالية برامجها، ومحاولة رصد إلى أي حد هي مهيأة وقادرة على إعادة تأهيل
الشباب المقلع، وإدماجه في محيطه الاجتماعي.
I-
سياق احداث مراكز
تأهيل المدمنين
1-
السياق الدولي
يعتبر المغرب من بين أكثر بلدان العالم انتاجا
وتصديرا للحشيش، إلى جانب أفغانستان، كما يشكل
منطقة عبور للمخدرات الصلبة القادمة من
أمريكا اللاتينية نحو أوروبا وأفريقيا، وكذا حبوب الهلوسة القادمة من الجزائر، فهو
منتج ومصدر ومستهلك في نفس الوقت، لذلك حرصت الدولة المغربية على المساهمة في أي
عمل مشترك يهدف إلى مكافحة المخدرات، من خلال التعاون الدولي، والمصادقة على
الاتفاقية الوحيدة للمخدرات الصادرة سنة 1961 وعلى الاتفاقية المتعلقة بالمواد ذات
التأثير النفسي الصادرة سنة 1971، إضافة إلى بروتوكول 1972 المعدل للاتفاقية
الوحيدة للمخدرات، والذي يدعو إلى علاج المدمنين، وإعادة تأهيلهم مهنيا واجتماعيا
حتى يعودوا للمجتمع أفرادا صالحين قادرين على العطاء.
ويبدو أن المغرب سن سنة 1974 قوانين تساير هذا
البروتوكول، وذلك من خلال الفصل 8 المتعلق بزجر الادمان على المخدرات، الذي يتيح
للمدمن المرتكب للجريمة تحت تأثير المخدرات، امكانية طلب الحصول على فرصة للعلاج
في مؤسسات مخصصة لذلك، غير أن هذا الفصل لم يتم استغلاله بشكل جيد نظرا لغياب
المراكز المتخصصة، خصوصا أن علاج الادمان
آن ذاك كان لا يتم إلا في إطار مستشفيات الامراض النفسية والعقلية، وبطرق لا ترقى
للمستوى المطلوب.
2-
السياق الداخلي.
سجل المغرب في السنوات الأخيرة، ارتفاع مقلق في
عدد الاشخاص المدمنين على المخدرات، بين صفوف جميع الفئات الاجتماعية والشرائح
العمرية، حيث أشار تقرير المرصد الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان، الصادر سنة
2014 أن ما بين 4 و 5 %
من سكان المغرب مدمنين، أي حوالي 800 ألف شخص، منهم 750 الف يدمنون على مادة القنب
الهندي، وما بين 50 الف و70 الف يدمنون على الكحول، علما أن هذه الارقام لا تضم
الاشخاص المدمنين على مادة التبغ.
ويبدو أن هذه الارقام لا تمثل إلا جزء من الحقيقة،
باعتبار أن عدد كبير من الاشخاص يرفضون الاعتراف بتعاطيهم للمخدرات، لاسيما
الاطفال والمراهقين، اللذين يرفضون التصريح بتعاطيهم للمخدرات خوفا من تعرضهم
للعقوبة سواء من طرف الاسرة أو من إدارة المدرسة.
وتجدر الإشارة، إلى أن لهذا الارتفاع تداعيات
سلبية عديدة على حياة المواطنين المغاربة، فإلى جانب ارتفاع عدد الوفيات المرتبط
بتعاطي المخدرات، و الضرر الصحي الفردي الذي يتعرض له المدمن، من قبيل أمراض القلب
والشرايين والسرطان، والتسبب في انتقال الامراض المنقولة جنسيا عبر الدم، حيث بلغت
نسبة المدمنين المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة 14%
من مجموع المصابين، هناك أيضا الضرر الاجتماعي والاقتصادي، فغالبا ما يقف الادمان
وراء العديد من الظواهر الاجتماعية على غرار السلوكات العنيفة، الاغتصاب وجرائم
التعدي على الاصول والفروع، والتي أصبحنا نسمع عنها عبر وسائل الاعلام بشكل كبير.
لهذا فإن علاج الادمان في المغرب، لم يعد مجرد
اختيار أو ترف، بل هو حق من حقوق المواطنين التي نص عليها دستور 2011، وضرورة
اجتماعية ملحة، تفرض على الدولة انشاء أكبر عدد ممكن من المراكز لإعادة تأهيل
المدمنين وعلاجهم، لتخفيف الضغط المنصب على المركز الوطني للوقاية والعلاج والبحث في
الإدمان التابع لمستشفى الرازي بمدينة
سلا.
كما يستدعي الوضع
تفعيل الاستراتيجية القطاعية لوزارة الصحة المبرمجة من 2012 إلى 2016، والتي تهدف
إلى تعزيز القدرة السريرية الوطنية في مجال الطب
النفسي ومكافحة الإدمان.
II-
مراكز تأهيل
المدمنين في المغرب
1-
أنواع المراكز وتوزيعها
انسجاما مع عمل المغرب في اطار مكافحة المخدرات
والجريمة، فقد تبنى مقاربة عقلانية وحقوقية تجاه الشخص المدمن، وذلك من خلال إنشاء
وحدات لعلاج الإدمان على المخدرات، وتوفير خدمات صحية وتتبع حالة المريض والقيام
ببحث ميداني لاستجلاء عوامل ظاهرة الإدمان على الصعيد الوطني عموما أو داخل
المؤسسات التربوية بصفة خاصة.
وقد أعلنت وزارة الصحة من خلال الاستراتيجية
القطاعية، عن اعتزامها الوصول إلى 20 مركز مع حلول سنة 2016، في اطار سياسة القرب،
وضمان الفعالية، حيث تم تدشين عدد من المراكز في مختلف المدن، فإلى جانب مركز
الرازي الذي يعتبر الاول من نوعه في المغرب والذي تم احداثه سنة 2000 بمدينة سلا،
فقد تم تعزيز عمله بإحداث مراكز أخرى بكل من الرباط، الدار البيضاء، طنجة، تطوان، الناظور، الحسيمة، وجدة ومراكش، بينما تم احداث مراكز أخرى لم يتم تدشينها
بعد من طرف الملك بكل من اكادير، فاس، لقصر الصغير، اصيلا وشفشاون.
وتتميز هذه المراكز بكونها تختلف من حيث الخصائص،
وتبعا لذلك يمكن تقسيمها إلى نوعين:
·
مراكز تابعة
لمستشفيات عمومية، تقوم بعلاج وإيواء المدمنين لمدة معينة، وتسعى للمساهمة في
إغناء البحث العلمي في مجال الادمان، وتكوين الاطر المتخصصة.
·
مراكز تابعة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن،
تتمركز في الاحياء الشعبية والهامشية، وتهتم بالتكفل بالشباب ضحايا الادمان، وبالتحسيس
وبتقديم المشورة والعلاج بدون ايواء
للشباب المدمن.
III-
دور المراكز في إعادة إدماج الشباب وانفتاحها
على محيطهم الاجتماعي
1-
منهجية المراكز فيما يخص إعادة الادماج
نظرا لكون مراكز تأهيل المدمنين تختلف من حيث طريقة التعاطي مع المدمنين
وطرق العلاج، فإنها تختلف أيضا من حيث طرق التعاطي مع مسائل اعادة تأهيلهم.
إذ أن المراكز التي تتولى العلاج الداخلي
للمدمنين على غرار مركز الرازي ومركز الدار البيضاء تركز على مقاربة طبية بامتياز،
ولا يتدخلان في إعادة الادماج إلا من خلال التركيز على الأسرة، وإعادة تصحيح صورة
الشخص المدمن من شخص منحرف إلى شخص مريض، باعتباره ضحية استعمال لمواد سامة، فضلا عن القيام ببعض الحملات التحسيسية في
المناسبات على غرار اليوم العالمي لمكافحة التدخين، واليوم العالمي لمكافحة
المخدرات.
أما فيما يخص مراكز التكفل بالشباب ضحايا
الادمان، التابعة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، فهي تلعب دور أكبر في مجال إعادة
إدماج المدمنين، فهي تعمل من خلال عقد شراكات مع مكتب التكوين المهني وإنعاش
التشغيل، ووزارة التربية الوطنية، وذلك بهدف اعادة الشباب المنقطع إلى صفوف الدراسة، أو تمكينهم من التسجيل في احدى شعب
التكوين المهني، كما توجه هذه المراكز الفتيات إلى الجمعيات المختصة في تأطير النساء
وتكوينهن في مختلف الحرف كالحلاقة،
والخياطة والرسم على الزجاج...
2-
الصعوبات التي
تواجهها المراكز
تواجه جميع مراكز
تأهيل المدمنين في المغرب مجموعة من الصعوبات، التي تحد من قدرتها على ممارسة
مهامها على أفضل وجه، خصوصا في مجال إدماج الشباب المقلع، وتمكينهم من الانخراط في
المجتمع وشق طريقهم بشكل إيجابي.
ومن أكثر الصعوبات التي تواجهها هذه المراكز نجد
الصعوبات اللوجستيكية، المتمثلة في عدم مواكبة
هذه المراكز مستوى ارتفاع ظاهرة الادمان، خصوصا أن المراكز المرتبطة بإيواء
المدمنين محدودة، ولا تتجاوز مركزين في مختلف أنحاء الممكلة.
إضافة إلى قلة الاطر
لاسيما المختصة في الجانب الميداني ومواكبة الاشخاص ما بعد العلاج، فضلا عن
محدودية الطاقة الاستيعابية، وارتفاع تكلفة العلاج بهذه المراكز التي تصل إلى 300
درهم لليلة الوحدة بمركز الرازي.
حيث تنطلق هذه
المراكز من منطق أن كلفة العلاج هي أقل بكثير من كلفة شراء المخدرات، في الوقت
الذي يتم فيه تجاهل معطى مهم يتمثل في كون المدمن تحت تأثير المخدرات يمكن أن
يخاطر للحصول على المال بأي وسيلة، وقد يلجأ إلى السرقة وبيع أثاث البيت، وبالتالي
فمنطق مقارنة تكلفة العلاج بتكلفة المخدرات هو منطق غير صائب، لان العلاج يقتضي
إلى جانب إزالة السموم، تغيير السلوك أيضا والتشجيع على التصالح مع الذات للتمكن
من الاندماج في المجتمع.
كما تشكل ثقافة
المجتمع المغربي، جزء من الصعوبات التي تعيق عمل مراكز تأهيل المدمنين، خصوصا أن
هذه المراكز مرتبطة بمستشفيات الامراض النفسية والعقلية، وبالتالي فالتمثلات
الشعبية حول العلاج من الادمان يكسوها نوع من التخوف والتردد، بسبب الوصم المزدوج
الذي قد يخلفه الادمان والاستشفاء في مركز للأمراض العقلية.
من جهة أخرى، فإن
تركز مراكز التكفل بالشباب ضحايا الإدمان، في الاحياء الشعبية يجعل بينها وبين
مختلف الفئات والشرائح هوة كبيرة، حيث تصبح ملاذا للشباب المنتمي للطبقات
الاجتماعية المتدنية فقط، عوض أن تنفتح على المجتمع المغربي ككل.
خلاصة:
كل تقييم يحتاج
بالضرورة إلى مساءلة جميع الأطراف المعنية، واستحضار ما هو كمي وكيفي على حد سواء،
غير أن الوصول إلى الاشخاص المستفيدين في هذا البحث تعذر علينا بسبب سرية
المعلومات المتعلقة بهويات الاشخاص، وبالتالي نجد أن البحث اقتصر على ما هو كمي
ووثائقي، وأراء بعض العاملين والمهتمين، ولكن على العموم فإن التقارير والوثائق
تشير إلى أن هناك إرادة قوية للتصدي لظاهرة الإدمان وتقليص الطلب على المخدرات. ولكن
بالرغم من تطور الترسانة العددية المرتبطة بالمراكز، فهي في نظرنا تكرس نوع من
الطبقية الاجتماعية، باعتبار أن الاشخاص الميسورين يتوجهون إلى مراكز الايواء التي
تقدم خدمات ورعاية ذات جودة عالية، حيث يتم مرافقتهم ومساعدتهم في بيئة محاطة
بالمراقبة، خالية من عوامل الخطر والإغراءات التي قد تعرقل عملية الاستشفاء، في
حين أن مراكز القرب تعتمد على العلاج عن بعد، مما يجعل الشخص معرضا للانتكاس في أي
وقت، في إطار غياب المصاحبة والمراقبة.
وما يمكننا الخروج
به من متاهة البحث في غياهب هذا الموضوع، هو ضرورة التشبع بالشمولية والتكامل، إذ
لا بد من الجمع بين المقاربة الطبية والمقاربة النفسية الاجتماعية، القائمة على
أسس ادماجية، كما أن المدمن يحتاج إلى الحصول على فرصة للاستشفاء في مكان يؤمن له
الحماية من عوامل الخطر والتشويش. وبالتالي ضرورة انشاء مراكز تأوي الشباب المدمن
لمساعدتهم على الاقلاع في بيئة سليمة كمرحلة أولية، ثم الانتقال إلى مراكز التكفل
التي تساعدهم على الاستمرارية في مقاومة الادمان، وتوجيههم إلى طرق للاندماج في
المجتمع كل حسب وضعيته الاجتماعية، بمعنى أن هذين النوعين من المراكز يجب أن يلعبا
أدوارا تكاملية وليست أدوارا مستقلة لضمان فعالية أكثر.
المراجع المستعملة:
·
Stratégie sectorielle de santé 2012-2016, mars 2012, p71 documents stratégiques, publication de
ministère de la santé marocaine (http://www.sante.gov.ma)
·
Rapport annuel de l’observation nationale des drogues et addictions
2014, (www.onda-drogues.com)
·
الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961، بصيغتها المعدلة
ببروتوكول سنة 1972، الامم المتحدة، www.incb.org
·
مطويات تعريفية حول المركز الوطني للعلاج والوقاية
والبحث في الادمان لمستشفى الرازي بسلا.
·
سليمان الريسوني، المغرب على رأس
البلدان المنتجة والمصدرة للمخدرات والسلطات تعزو الأمر إلى انشغالها بالمظاهرات، موقع مغرس، يوم 18 أبريل 2015، الساعة 21،
موقع مغرس http://www.maghress.com/
·
ذ.محمد بودواح وآخرون، زراعة
الكيف بالمغرب مقاربة مجالية قانونية، موقع العلوم القانونية، 2015.04.18 الساعة
23.00. http://www.marocdroit.com/
* طالبة
باحثة بماستر تربية وإدماج الشباب والأطفال في وضعية صعبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق