شهرزاد المغربية ترحل نحو العالم الاخر
أمينة زوجي
بعض الاشخاص لا نتخيل رحيلهم عنا
لأنهم صاروا جزء من التاريخ الابدي لوجودنا وهويتنا، لكن هيهات هيات لشبح الموت أن
ينسى لعبة الفجع والخطف، بل قدر لنا في هذا اليوم الاخير من نونبر من عام 2015، أن
نفجع بفقدان امرأة طبعت التاريخ النسائي
وأضافت للعلم الشيء الكثير، وساهمت في التعريف ببلدها في الساحة العلمية والعالمية.
لم يتوقع أحد مغادرتها بهذه السرعة، لأنها
لم تظهر يوما إلا في أبهى صورة، كانت دائما شامخة وقوية، نشيطة ومتعبة، لا يستطيع
مسايرتها في العمل إلا القلة القليلة، لم تشتك يوما من أي مرض أو علة، لهذا
كان اليوم الكثيرون في الجنازة يستغربون وفاتها الفجائية، غير أن واقع الحال لا
يتعلق بوفاة فجائية بل بامرأة ترفض الانصياع للمرض وشغل الاخرين بتفاصيله المملة،
كانت تعاني في صمت ولكنها لم تتنازل عن الكتابة والعمل لأخر لحظة.
عرفت الاستاذة في البداية من خلال
كتبها وخاصة كتاب نساء على أجنحة الحلم، الذي يعتبر بمثابة سيرة ذاتية لمرحلة
الطفولة، حيث حملتنا على أجنحة الحلم إلى ردهات عوالم الماضي النسائي، ثم تعرفت
عليها شخصيا سنة 2011، ففتحت لي بيتها واحتضنتني عندما لمست ميولي إلى الكتابة، وشجعتني للمضي قدما نحو هذا العالم المثير، وكان
لها الفضل في دعم الكثيرين ابتداء من الطلبة والباحثين مرورا بالفنانين التشكيلين
وصولا إلى الصناع التقليدين.
رغم رحيلها إلى العالم الآخر، إلا أنها تحولت بفضل
انتاجاتها العلمية إلى رمز لن يندثر باندثار جثمانها في مقبرة سيدي مسعود بحي
الرياض، حيث مشينا خلفها بخطى بطيئة تتجرر مرارة الفقدان.
فاطمة المرنيسي أعطت الكثير لهذا
الوطن، ورفضت الاستقرار في الولايات المتحدة الامريكية، لانها تعشق تراب المغرب
وبحره، وتقدس كل من ينحدر من منطقة الاطلس، بيد أن هذا الوطن لم يعطها غير القليل
من العرفان، وبعض التعليقات على صفحات الفايسبوك وخبر قصير في نشرة الاخبار.
كنت أعتقد أن جنازة المرنيسي سوف لن
تجد لها مثيل، لان علمها غزير وعابر للقارات، ولان كتاباتها ترجمت للكثير من
اللغات، ولان الاشخاص الذين ساعدتهم لا يحصون، إلا أنها غادرت في جنازة متواضعة العدد، عدد قليل من أقطاب
السوسيولوجيا، وبعض السياسيين والحقوقيين وبعض الاصدقاء والأقرباء، استغربت لعدم
وجود رموز الحكومة الحالية، واستغربت أكثر لعدم وجود طلبة وطالبات علم الاجتماع
الذين كانوا يتهافتون عليها خلال الندوات واللقاءات.
لا يسعني أستاذتي في النهاية إلا أن
أقول أنك ستظلين شهرزاد المغربية التي لا تموت، والتي تعبر العوالم لتعود وتظل
حاضرة في ذاكرتنا الجماعية.