10‏/10‏/2015

غسيل المجتمع على أسلاك الافتراضي

غسيل المجتمع على أسلاك الافتراضي
إعداد: جواد الأطلس

ربما كان ينقص ما يجمعنا لنقول بصوت واحد وداعا للخاص والحميمي في حياتنا، يبدو أن عصر الاسلاك والكائنات المعدنية حل محل الفعل البشري ولغة العقول ليجردها من عباءتها التي تتستر وراءها قيمنا، بل أصبحنا نعيش في بيوت زجاجية على مرأى من العالم، ننفذ ما تطلبه الآلة في مرحلة زمنية تعقدت فيها أساليب الحياة بخروجها من البسيط في العلاقات والتواصل الاجتماعي المباشر والتقليدي إلى نوع وأسلوب يحرك الساكن ويثبت المتحرك، فإن أمعنا النظر رجوعا إلى وقائع قريبة من هذا الأسبوع قد نجد أن أغلب مجالات العصر المتعلقة بالفرد والمجتمع كانت كلمة الحسم لعالم إفتراضي اقتحم علينا أبسط الأشياء الخاصة بل شاركنا بها الخارجي والداخلي،صاحب القيمة والوضيع.
فما أن نفتح كل صباح تلك العوالم الزرقاء لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى نجد وادي عريض يحمل كتلا ومخلفات الفرد من صرخات وجراح فرح وحزن... أو ما شابه ذلك من تنقلات داخل مجال تواجد مستخدم النت، ويشمل ذلك أيضا تفاصيله الخاصة على صفحات يقرأها العالم كله،لعل أبرزها قول الفتاة "ماما وصاتني ... أنا حامل ... أكلت كذا ... " أو من قبيل قول الشاب " أنا وحبيبتي انفصلنا ...أو تشاجرنا... "، حيث ورد في نفس الصدد تفسير لهذه الظاهرة في مقال بعنوان "حينما يصبح الافتراضي مذكرات حميمية"، صدر عن البروفيسور الباحث في علم النفس الاجتماعي مصطفى شكدالي، يعالج فيه إشكال الموضوعات الحميمية التي اصبحنا نشرك فيها من لا صلة لنا بهم والأقرباء أيضا، حسب مسافات العلاقة الاجتماعية.
إن الحميمي والثنائي الذي له طابع الخاص بنقله ومشاركته مع العالم ونشره على جدران يقرأها القريب والغريب معا، يجعلنا فعلا نعيش تشوهات على المستوى القيمي، ونؤكد أننا نقبل التواجد داخل غرف زجاجية يشاهدها العالم بأسره.
لقد أبان المجتمع في هجرته نحو العالم الافتراضي على أن القضايا الاجتماعية والموضوع الانساني دون قيمة لانفتاح النقاش ونشره أمام الملأ ما دام يستمد قيمته من سريته فأصبح مبتذلا. بل أقر الجيل الرابع أن كلا الرسمي والحميمي أرخص مما نظن، لما لا وقد أخطأ الوزير فأحضر رأسه أمام محكمة الافتراضي وتم تدارس حيثيات النازلة وجس نبض الجمهور وعجلوا بالرحيل قبل أن يشتد غضب الشارع وكأن مجتمع الوحدات والاصفار قنبلة وقوتة نخشاها أن تنفجر في وجوهنا. وكي لا نذهب بعيدا ولنستحضر شريط المعلم الذي لم ترحمه كائنات غردت ليل نهار بمجرد ظهور ما أطلق عليه بإسم "فضية المعلم و التلميذة " ناهيك عن "الدركي" الذي يظهر في شريط قصير أنه في أوج غصبه يسب ذا الجلال والإكرام.
هي أحداث خاصة بمؤسسات محددة لتنطق فيها، لنشهد دون سابق إنذار ظهور محامين لا علاقة لهم برحم الجسد القضائي، بل ظهور قضاة من مستخدمي الشبكة العنكبوتية يضربون بمطارقهم حكما على المذنبين من خلف هواتفهم الذكية، وربما من غرف نومهم .. يطلقون سيل من الفتاوي،و يصدرون أحكام غريبة لم تبث فيها قط أكبر الأجهزة القضائية عالمية،بل اختلطت الأمور وافرزت لنا مستنقع اجتماعي لن أقول افتراضي فهو الواقع بعينه ،يمكن لحد اللحظة التوقع منه إفرازات لن تجف ولو على حبال الواقي والافتراضي معا.



ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©