09‏/10‏/2015

امرأة أجمل من الحب

امرأة أجمل من الحب
إعداد: محمد مكاوي*


إلى جميع الأمهات الصامتات أهدي هذه الأقصوصة بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية 

أسرعت مهرولة، متعثرة في خطاها، لا تلوي على شيء ، كانت امرأة في الثلاثين من عمرها لكن تبدو من خلال ملامح وجهها في الخمسين، طويلة كشمس فصل الصيف ، ناحفة كسعف النخل، تمر بسرعة كالطيف وتعود بسرعة كعبق الأزهار.
كنت ذات يوم راكبا طاكسي صغير لغرض شخصي فرأيتها مسرعة كعادتها تشير للطاكسي وتتوسل للسائق أن يقف.
أستأذنني السائق فقلت له: لا مانع من ركوب السيدة.
فانعرج يسارا ثم وقف.
فتحت السيدة الباب الخلفي للسيارة ثم اندفعت تبحث لها عن مكان.
تعثرت في حذائها البلاستيكي القديم، فانبعثت رائحته النتئة في الداخل،
مددت يدي للنافذة كي أترك مجالا للهواء، خاطبها السائق كأنما يعرفها : إلى أين ؟
قالت بسرعة غير معتادة: إلى حي الرحمة، وبسرعة من فضلك.
تدخلت في فضول : لماذا يجب أن يسوق بسرعة ياسيدتي؟ فالسلامة هي ما يطلب في هذه الأيام.
صمتت قليلا وزفرت زفرة طويلة وقالت : ابني! يا سيدي ابني.
سألتها دون أن ألتفت إليها : كم عمره؟
قالت : سبع عشرة سنة.
قلت مسترسلا في الكلام : لا عليك فهذا الجيل طائش، تخيلي إن لي ابنا من نفس عمره لا تنتهي طلباته ولا تعرف حدودا أدخلته أجود المدارس وتعلم ثلاث لغات، وبصراحة يتقن أفضل مني الحاسوب؛ وفي هذه الأيام يصر على أن أشتري له دراجة نارية، تدخل سائق الطاكسي وأضاف: إن مثلهم من غير وجه السياسة العربية. أليسوا جيل الثورة وقادة الغضب في تونس وفي مصر وفي بلدان عربية أخرى، قد يكون طيشهم بردا وسلاما علينا جميعا.
السرعة والريح المندفع من نافذة الطاكسي حرك منديل المرأة إلى الخلف فبدا شعرها خليطا من الأبيض والأسود وبدت عيناها تائهتين كأنهما تبحثان عن الزقاق ثم قالت دون اكترات : إن ابني ليست له طلبات يا سيدي.
فقلت لها مبتسما : هذا فضل من الله. لو كانت له طلبات لبعت كل ما لديك ولن تسديها.واندفعت أحكي قائلا : لدي أخ باع كل ما فدادينه البسيطة من أجل ابنه ولما انتهى من الدراسة وبلغ من العمر اثنتين وثلاثين سنة وجد نفسه معطل، فعاد إلى القرية لا هو متعلم ولا هو فلاح . أنا أتساءل كيف يمكن لرجال الحكومة ونساءها أن يجدوا بكل يسر وظائف لأبنائهم. في حين استعصى عليهم الأمر عندما تعلق بابن أخي الوحيد؟
ضحك سائق الطاكسي وهو ينعرج يسارا ويمينا. ونظر للمرآة ثم سأل المرأة :
عمر ابنك سبع عشرة سنة وليست لديه طلبات هذا غير ممكن ، الا يلبيها له أبوه؟
أغلقت المرأة زجاج النافذة وصمتت قليلا ثم أجابت وهي تتطلع إلى زقاق من أزقة حي الرحمة : أبوه هاجرنا منذ ولادته، و لم يعد له مكان في حياتنا، وأردفت للسائق :
انعرج من هناك من فضلك ياسيدي
-أشتعل الضوء الأحمر واصطف سيل من السيارات وساد صمت عميق الطاكسي فقلت للمرأة:
هذا أمر غريب لابنك سبع عشرة سنة ودون أب وليست له طلبات؟
لمحت المرأة تنحني لتجمع سلة بلاستيكية وتطلب من السائق أن يتوقف، فتحت الباب ومدت الأجرة للسائق ثم التفتت إلينا وقالت : إن ابني معاق لا أعرف طلباته إذا طعمته سكت. وإذا تركته دون طعام سكت.ليس من جيل الثورة وليس من جيل الغضبّ، فاندفعت كالريح تجري نحو الزقاق وأخرجت من حزامها مفتاحا ثم دلفت للمنزل وانعرج السائق في صمت رهيب نحو اليسار.

مفتش تربوي وباحث في قضايا الاعاقة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©