15‏/11‏/2016

المجتمعات العربية بين الحكامة والتحكم


المجتمعات العربية بين الحكامة والتحكم

بقلم عمر الايبروكي*
 

الحكامة من المفاهيم التي دخلت مجالي السياسة والمجتمع،  وهي آلية لممارسة السلطة السياسية،  وتدبير شؤون المجتمع وموارده البشرية والمادية،  لتحسين نمط عيش المواطنين،  وتحقيق التنمية والرفاهية للجميع،  وبمشاركة الجميع. وينتمي مفهوم الحكامة،  إلى مجال العلوم الإنسانية المختلفة،  وبالضبط لعلمي الاقتصاد والسياسة،  ففي بعده السياسي يتجلى في طريقة ممارسة السلطة الحكومية، وفي بعده الاقتصادي يرتبط بتسيير المؤسسات الإنتاجية والمقاولات.

إنها من المفاهيم التي انطلقت من العالم الغربي المتقدم،  لتنتشر في العالم الثالث،  ضمن مجموعة من المفاهيم المواكبة لظاهرة العولمة.مفاهيم تنتمي إلى مرحلة ما بعد الحداثة، و التي برزت في خضم تحولات المجتمعات التي تسعى إلى البحث عن تحسين التدبير،  وترشيد الموارد،  وتسطير البرامج، مع السهر على تطبيقها وبلوغ أهدافها بتسخير كل الإمكانيات الطبيعية والبشرية المتوفرة. 

انطلاقا من دلالات هذا المفهوم ، كيف نشأ وترعرع في تربة العالم العربي ؟ 
تأتي ظروف نشأة مفهوم الحكامة في عالمنا العربي،  ضمن التحولات العالمية،  وسيطرة المؤسسات المالية،  والمنظمات الدولية غير الحكومية،  التي حاولت تسويق هذه المفاهيم،  كآلية جديدة لتوجيه الاقتصاد العالمي،  والتدخل المباشر في رسم خطط التنمية،  وتولي مهمة محاربة الفقر،  وتحسين وضعية السكان بعد أن عجزت الحكومات المحلية عن تحقيق تنمية مستدامة رغم مرور عقود من الزمن على استقلالها السياسي. وهكذا عملت بعض المنظمات المالية كالبنك الدولي،  وصندوق النقد الدولي على نشر،  أو فرض مفهوم الحكامة على دول العالم الثالث ومنها العالم العربي. وبتنسيق مع لجنة التنمية وضعت إستراتيجية لتشجيعه، ومحاربة الرشوة بإشراك المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني لمحاربة الفقر. 
تبنت المجتمعات الغربية آلية الحكامة لتنظيم مؤسساتها، وتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والسياسية خدمة للمواطنين.وتم تأطيرها بمجموعة من القوانين والقواعد التي توجه السلطة السياسية والاقتصادية. وهكذا صدر الكتاب الأبيض للحكامة الأوربية، وتبناه البرلمان الأوربي ليحدد إستراتيجية العمل السياسي والاقتصادي على ضوء خمسة مبادئ أساسية للحكامة الجيدة،  وهي: الانفتاح، المشاركة، المسؤولية، الفعالية، والانسجام. 

وتشكل هذه المبادئ الخمسة الحجر الاساس للحكومات في ممارسة السلطة السياسية، و للمؤسسات الانتاجية في كل نشاط اقتصادي لتحقيق غايات وأهداف محددة من شأنها أن ترفع من مستوى عيش المواطنين. وقد اجتهدت المنظمات الحكومية، و غير الحكومية في العالم الغربي، وساهمت الأبحاث الجامعية في وضع القواعد الإستراتيجية، وضبط الآليات،  لتحقق الحكامة أهدافها، وتبلغ غايتها.
و قبل الحديث عن تحقيق معايير الحكامة بالعالم العربي،  و مدى نجاح تبنيها،  لابد من تحديد شروط الحكامة كما تبنتها الدول المتقدمة،  و كما حددتها المنظمات الدوليةوفرضتها على دول العالم الثالث، وهذه الشروط هي: 

·               الديمقراطية،  وهي المناخ السليم الذي يضمن التسيير الرشيد. 
الكفأة.

·                النخبة السياسية المنتخبة،  والأطر الإدارية
-
المشاركة الجماعية للمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. 

·                القدرة على المحاسبة، والمساءلة لحماية الشأن العام من استغلال السياسيين. 
فكل تقييم للحكامة لا بد من توفير هذه الشروط،  وخلق المناخ السليم لممارستها،  وتأهيل الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية،  وكل غياب لهذه المؤهلات يعني عدم القدرة على تحقيق الحكامة الجيدة. 

بالفعل فتجليات الحكامة في المجالات الاقتصادية والسياسية،  تكون مصحوبة بالقوانين الدقيقة،  والمساطر الإدارية البسيطة،  والقضاء المستقل الذي يلعب دوره في الحفاظ على الحقوق. وهذا ما يخلق المجتمع المنفتح إيجابيا على كل الفاعلين،  من أفراد ومؤسسات اقتصادية من مختلف الجنسيات للاستثمار،  وجلب رؤوس الأموال. 
فأين العالم العربي من كل هذه المبادئ والشروط و الآليات الضرورية للحكامة؟ 
في اعتقادي ما زال العالم العربي غريبا عن الحكامة السياسية والاقتصادية، بل هو اقرب للتحكم منه إلى الحكامة. فالقبيلة و الأسرة تلعبان الدور الأساسي في تملك السلطة والمال،  والاقتصاد تتحكم فيه آليات عتيقة،  وقواعد مبهمة لا تمت للعصر بصلة. ومن شأن ذلك أن يعطل التنمية الاقتصادية والبشرية،  ويباعد بيننا وبين الحكامة. والدولة في العالم العربي لم ترق بعد إلى مؤسسة ديموقراطىة تسيرها نخبة سياسية منتخبة لفترة محددة، وتعتمد الكفاءة لإسناد المهام، وتكون خاضعة للمحاسبة والقانون.

لعل الشرط الأساسي للحكامة،  هي الديمقراطية المبنية على الاختيار الحر والسليم للمواطن،  وتربيته على المسؤولية والأمانة ليساهم في تنمية مستدامة تتجلى في حسن تدبير الموارد الطبيعية،  واستفادة الجميع من الخيرات،  والعمل على المحافظة على البيئة للأجيال القادمة. فالديمقراطية أساس الحكامة الجيدة،  وتأهيل المواطن أمر ضروري ليساهم بدوره كاملا كمواطن صالح يفكر في المصلحة الجماعية،  ويتجرد من أنانياته الضيقة،  ويتحمل المسؤولية كغاية،  وليس كوسيلة للانتفاع الشخصي. 
وفي قراءة سريعة للنخب المسيرة في العالم العربي تجعلنا نستنتج انها تتشكل من عشائر و أسر وجماعات سياسية تشكل احزابا تسود وتتحكم في دواليب السياسة والاقتصاد،  وتجعل السلطة طريقا للإثراء واقتصاد الريع مقابل فئات عريضة من المجتمع تصارع من اجل البقاء.

وهذا معناه غياب الديمقراطية كشرط ضروري للحكامة لوجود عوائق ثقافية وسياسية أمام تحقيق الحكامة في العالم العربي،  منها ما هو سياسي يرتبط بعدم النضج الديمقراطي عند المواطن، و ما يترتب عن ذلك من مؤسسات عاجزة وبعيدة عن الحكامة الجيدة. ومنها ما هو ثقافي يتجلى في كون المجتمع العربي تخترقه بعض العلاقات العتيقة التي تتحكم في التدبير،  فهناك مؤسسات اقتصادية وسياسية تتحكم فيها العلاقات العائلية على مستوى التسيير. وما تزال المسؤوليات تسند بناء على القرابة والزبونية بدل الكفاءة، يضاف إلى ذلك أن مساهمة المرأة ضعيفة في اتخاذ القرارات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، و في تسيير مؤسسات المجتمع.لأن غياب المرأة أو تغييبها عن المجالات الحيوية للمجتمع خلل في العلاقات الإنسانية الطبيعية، ولا يمكن الحديث عن الحكامة في وقتنا الراهن،  دون علاقات المساواة بين الجنسين. 

وفي الوقت الذي اعتقدنا أننا تجاوزنا هذا التمييز، أو أنه تقلص أو اختفى،  لاحظنا أنه يطفو على السطح بمثابة لاشعور جمعي يخترق كل المجالات الاقتصادية والسياسية. وهنا تكمن الهوة السحيقة بين خطاب الحداثة والديمقراطية،  وبين الممارسات العملية التي تنتمي الى زمن الأمر والطاعة. 

وقد عاشت المجتمعات العربية فترة الاستعمار،  وقدمت التضحيات بدافع الحماس الوطني، وهاجس الأمل في تحقيق الاستقلال السياسي و الاقتصادي، وضمان مستوى من العيش الكريم .وما وقع ان الآمال تبخرت ولم تستفد الا فئات اجتماعية محدودة، ومنها من كانت تتعامل مع قوى الاستعمار الذي حرص على استمراريتها و تزكيتها حفاظا على مصالحه الحيوية.وتميز العالم العربي باحتكار الثروات وتركيز السلطة داخل فئة ضيقة من التابعين وتابعي 
التابعين من المنتفعين، أمام سيطرة الحزب الواحد، او العائلة الواحدة، ان لم نقل الفرد الواحد،  وفي احسن الأحوال سمح بتاسيس احزاب وجمعيات المجتمع المدني لتاثيث المشهد السياسي. 

ان هذه التحولات التي يعيشها العالم العربي اليوم نتجت عن غياب المناخ السليم سياسيا واقتصاديا يسمح للمواطن بالمشاركة السياسية،  والمساهمة الارادية الحرة، وإبراز القدرات الابداعية،  واثبات الذات في كل المجالات.وبعد تضحيات الاجيال السابقة ، وعدم قدرتها عل التغيير بسبب تعدد الرؤى و صراع الايديولجيات ما بين يسارية/اشتراكية ويمينية/راسمالية، وبعد التحولات التي عرفها العالم،  توحدت التصورات، وتركزت الافكار حول تحقيق المجتمع الديموقراطي الذي ينعم الجميع بالمساواة في كنفه. 

و في انتظار ان يحقق الشباب العربي بعض آماله، فان المجتمعات العربية ما تزال الى اليوم بعيدة عن شروط الحكامة،  وان كانت من اكثر الشعوب استيرادا واستهلاكا لمثل هذه المفاهيم التي تحولت الى شعارات نظرية يتسابق الجميع على ترديدها حتى دون فهم جوهرها ومدلولاتها أحيانا.
 
 

*دكتور وأستاذ التعليم العالي تخصص علم الاجتماع


ملحوظة نشرت هذه المقالة بجريدة أخبار اليوم، بتاريخ 26 ماي 2011،عدد 454.وأيضا نشر في حساب الأستاذ عمر الايبروكي على الفايسبوك.

17‏/10‏/2016

قصيدة شعرية: سهاد الحب

سهاد الحب
بقلم هاجر لمفضلي


ألا يا صبح لا تنادينا
فليل الحب أروى مآسينا
وبدد الدمع عن مآقينا
طيب اللقاء في الليل ينسينا
ما خلفته سنين الهجر فينا
وارتشف حزن ماضينا
فصرنا ثملة على سكره تلاقينا
لا صحو بعده ما دام أقصى أمانينا
سأغفو طويلا فالنشوة ما تزال تحيينا
وتجعلنا لا نخشى شيئا فمن الدنيا قد سخينا
********
عند الظلمة أضأت بالحب ليالينا
وفتحت  له من الممرات ياسمينا
في معبد الحب لا شيء يذكر غير ما خلدته اللوعة فينا
وينتهي الكلام بيننا في ذهول ودهشة اللهفة فينا
أحبك جدا واعرف أن فيض حبي أنهارا سلسبيلا
وأني أحترق في شوق المقل قمطريرا
وأني على شفتيك أذوب كالشمع يقينا
أيا رجلا مزق أضلعي عشقا ولهيبا
بعيدا عن العقل والمنطق صرنا مجانينا
هذا الشوق قاسي الوصل يشعل الحرائق فينا
لا يبقى للقلوب صبر هكذا قدر ليالينا
وجع في الروح يشعله البعد يؤرق مآقينا
آه منك يا عشق تسطو كالملوك فلمن نشكو اللوعة فينا

08‏/10‏/2016

مولانا الشخص المعاق والطريق غير المسلوك

مولانا الشخص المعاق والطريق غير المسلوك

بقلم: محمد مكاوي


اليوم هو يوم القيامة، "والليلة هي ليلتو"؛ كما يقول أهل قريتي في كل  عيد عاشوراء لتردد باقي الفتيات الأخريات، وهن ينقرن بأناملهن على الدفوف: "الليلة يموت العدو". ركبت كرسي المتحرك، و التزمت كباقي المواطنين أن أودي واجبي الوطني .. المشاركة في الانتخابات، واختيار مَنْ يمثلني في المؤسسات التشريعية، ولِم لا وكل دروبي مزينة بألوان الأحزاب، وكل المرشحين طرقوا بابي؛ منهم من وعدني بالشغل، ومنهم من وعدني بكرسي جديد، ومنهم من التزم بالتنازل عن راتبه من أجل الصالح العام، ومنهم من أراد إعادة الكَرة مثنى وثلاث ورباع ووووو... إلخ؟
وحتى أعوان السلطة ألحّوا عليّ للحضور حين مَدّوني بتوصيل يحمل رقمي ورقم مكتب التصويت. توكلت على الله، وامتطيت كرسي المتحرك، أجرجر عجلاته بين دروب تمنيت، منذ أكثر من 40 سنة أن يتم إصلاحها.
انطلقت يوما كاملا قبل الانتخابات. ودعت أسرتي، وحملت معي بطاقتي الوطنية وبعض الزاد، وسافرت نحو مكتب التصويت الذي يوجد في مدرسة قديمة في أحد الأزقة القريبة من حينا، وأنا كُلّي أملٌ في أن أصل في الوقت المحدد.
في درْج باب دارنا، زلّت عجلة الكرسي المتحرك؛ فارتطم جسدي بالأرض، وهمّ المرشحون - لأول مرة - بمساعدتي كي أستوي. نفضوا الغبار عن ظهري، ووعدوني جميعا؛ كما فعل السابقون منهم، بأن يُصْلحوا المداخل والمخارج، وأكدوا لي أنهم إذا وصلوا سأصل أنا أيضا...
قلت في غضب، ويدي تدوس على مقود الكرسي، وأحركه جيئة وذهابا: لقد وصلتم منذ القديم، وما زلت أنا والدرج في مكاننا!
قالوا بأدب: هذا عهد جديد.. عهد دستور 2011، الذي يحارب التمييز على أساس الإعاقة.. عهد القوانين والإنصاف وحقوق الإنسان، وبدأوا يَعْرضون عليّ القوانين والتشريعات الدولية والوطنية، وذكّروني بالمبادئ الثمانية للاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، واستعان بعضهم بخطب أشباه الزعماء، الأموات منهم والأحياء، وقالوا: انظر، يا مولانا الشخص المعاق، إلى برامجنا، وستعرف أنّ الآتي أسوأ، عفواً: أحسن من الآن.
دفعت العجلة ببطء، واندفعت بصوت أزيزها في أذني، وساروا يودعونني، وكل واحد منهم مدّني بصور الشياطين الملونة، والكلام الذي يشبه العزيمة الشَّمْهارُوشِيّة"!...
في الزقاق الأول أوحالٌ جفت منذ شتاء 2000، وبقيت آثار أظلاف حمير مرّت من هنا، وفيها منحدر خطيرٌ على الكرسي المتحرك. تعطلت فرامل كرسيي فجأة؛ فاندفع الكرسي المتحرك بسرعة دون إرادتي. صارت حركاتي على الكرسي كالراكب على بغل.. هبوط وصعود، ثم هبوط وصعود، فارتعاد قوي وكأنني مُمْسك بتيار كهربائي.
في نهاية منحدر الزقاق فتحة وادٍ حارّ سُرق غطاؤها الحديدي. وجدت نفسي أسبح وسط مياهها العادمة وعجلات كرسي المتحرك مشتتة.
للمرة الثانية يسرع أناس يرتدون لباس ألوان الأحزاب، وكلهم يشتمون ويلعنون الحكومات السابقة، وينبهونني بأنها هي التي أهملت هذا الزقاق، وأن الأمل معقود عليهم.
ارتطمتْ جبهتي بفتحة "القادوس"؛ فسال كثير من الدماء على الأرض، وتمزق سروالي، وتشتت مسامير كرسيّ المتحرك وعجلاته.
بتّ الليلة أمام بقايا كرسيّ الجميل، الذي أصلحته عشراتِ المرّات من عرق جبيني... ورغم أن بعض الأحزاب عرضت علي كراسي جلدية وثيرة، أو النقل عبر سيارة فارهة، أو عبر الطائرة، إلى مكتب التصويت إن شئت، فقد أبيت وألحَحْت أن أشارك العرس الوطني، وأن أدلي بصوتي الذي لن أدعه لأحد.
ولأن المصلحة الخاصة في صوتي، لا في شخصي، فقد شُكّلت حكومة مصغرة للطوارئ في الدرب، شهدت تحالفا غريبا بين الذئب والنعجة والكلب؛ من أجل إصلاح الحفر وكرسيي المنكسر،
ضمّدت جروحي، وشَدَدْتُ يدي إلى كتفي، (ثم) نُفِخت عجلات كرسي، التي رَفَضْت تجديدها منذ زمان، حتى لا يقال إنني انتهازي، وكَويت مساميره، وتناولت بعض الطعام من زادي، وواصلت السير في اتجاه الزقاق الثاني بكرسيّ الحبيب، الذي ازداد صوت أزيزه أكثر من ذي قبْلُ.
غمام كثيف في نهاية الزقاق الثاني يحجب اسم المدرسة التي سأدلي فيها بصوتي،
الوقت يشير إلى الخامسة مساءً، وأنا أقترب من المدرسة...
قلت في نفسي: لم يتبقَّ لي إلا ساعتان، وأظهر لهم بأننا - نحن المعاقين - لنا الحق الكامل في الاختيار  والتصويت والمواطنة والكرامة.. لنا الكامل الحق في جميع مؤسسات بلدنا؛ من الصحة إلى التعليم إلى السكن إلى الشغل.. نحنُ المعاقين نستطيع الوصول والبناء، وإننا نحن المعاقين لسنا عالة على أحد.ّ..
أمام باب المدرسة، يقف عددٌ هائل من الناس.. ممثلو السلطة، وممثلو الأحزاب، و ثلة من المواطنين .. كلهم ينظرون إليّ بدهشة، وهم يضعون أياديهم على آذانهم تفاديا لسماع صوت أزيز عجلات الكرسي المتحرك الذي لا يطاق، وكأني قادم من كوكب آخر!.. جسمي ملطخ بالوحل، ويدي اليمنى مربوطة إلى عنقي، و ضماد ملفوف على وجهي ورأسي، وروائح كريهة تنبعث من ملابسي المغمورة بالمياه العادمة...
استوقفني أحدهم في باب المدرسة:
-         إلى أين...؟
-         أريد أن أصوّت.
-         هل أنت بخير؟ .. ما بك؟
 لملمت أنفاسي، وقلت في ضيق: وأنا في طريقي إلى هنا "مدرسة الأمل"، ارتطم كرسيّ المتحركُ بالعديد من الحُفر والعقبات والعقليات والسلوكات المُعِيقة للوصول، ثم مددت له البطاقة الوطنية، فابتسم حتى بانت أسنانه المهترئة، وقال، وهو يعيدها إليّ:
      - اسمك في الطابق الثالث، المكتب رقم 60، وليس أمامك إلا الموت أو الصبر  أو الانصراف.
ازداد غيظي، وبدأت أزبد وأرعد؛ فاندفع جسدي ليرتطم مرة أخرى بالأرض ككيس مملوء عن آخره بالرمل، وتفككت كل أسلاك الكرسي المتحرك من جديد؛ فاندفعت أجَرْجِر جسدي أمام ناظرهم على الأدراج، غير آبهٍ بأسلاك الكرسي، ملحّاً على الوصول...
أخبركم أنه بالأمس أغلقت مكاتب التصويت، وأعلنت النتائج، وعُيّنت الحكومة، ورَسمت تقارير الخونة صورا وردية عن كثافة المشاركة، وأنا ما زلت في طريقي الطويل نحو  المكتب اللعين!...

01‏/10‏/2016

الانتخابات والمواطنة بين التنوع والاختلاف الثقافي

الانتخابات والمواطنة بين التنوع والاختلاف الثقافي


بقلم عبد الرحيم عنبي*




إن التعددية الثقافية لأي مجتمع لا تعتبر في حد ذاتها مشكلة، فمن حق كل فرد وكل جماعة أو جهة أن تعيش وتدبر شأنها المحلي وفق ثقافتها وعاداتها وتقاليدها أو وفق خصوصياتها الثقافية، لكن شريطة أن تكون كل المرجعيات الثقافية قائمة على أساس المصالح الوطنية العُليا، ولا تشكل أي تحريف لمسلمات الوطن. وأعني بالمصالح الوطنية العُليا؛ تلك المصالح التي تهم كل المجتمع وليست مصالح خاصة منعزلة تؤدي في النهاية إلى صراع ثقافي وسياسي في المجتمع؛ من شأنه أن يؤدي إلى التشتت والانفصال. من هنا فالوطنية هي ذلك الإطار الثقافي وذلك النظام السياسي العريق والمتصل بالتاريخ؛ المشترك بين كل المجموعات الاجتماعية على الرغم من الخصوصيات الثقافية . بمعنى أن الوطنية يجب أن تحتوي التعددية الثقافية. ومن ثمة، فإنها تؤدي إلى التلاقي الثقافي، والذي لن يتأتى إلا من خلال الانتماء إلى نظام سياسي عريق ؛ تصبح معه الوطنية مجموعة من القيم الأخلاقية والسياسية و أيضاً مجموعة من القيم السلوكية. و من هنا؛ فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين القيم والسلوك والانتماء إلى نظام سياسي متصل بالتاريخ ، في مجال الوطنية. من هنا تكون الوطنية هي مفهوم يستوعب مجالات مختلفة في واقع حياتنا الاجتماعية. ولكنه يستحضر البعد التاريخي . أي أنه كلما ارتبطنا بالتاريخ ، كلما كان إطار الوطنية قوي وشامل، وكلما ابتعدنا عن التاريخ كلما كان إطار الوطنية هشا ورخوا وضيقا . وأخذنا بالإطار الأول يجعلنا نستحضر علاقة الفرد بالوسط الاجتماعي الإنساني من خلال التاريخ ، وهذا يعطيه انتماء قوي إلى وسطه ، وإذا حافظ الفرد على اتزان حبه وانتماءه لتاريخه وأهله وأبناء جهته ؛ فإنه من الطبيعي أن يحافظ على ذلك بالنسبة للوطن . أما الإطار الثاني ؛ فإنه يجعل الفرد يضع نصب عينيه حسابات ضيقة تقوده لتقديم مصلحته الفردية على حساب المصالح العليا للوطن . وفي الواقع؛ أن الجهات والمجموعات الاجتماعية يجب أن تكون موضوع التقاء كل التوجهات والأفكار والآراء التي تعكس نوعاً من التعددية الثقافية في المجتمع؛ بحيث أن الوطنية إذا لم تكن فوق "التعددية الثقافية" فلن تكون لها جذورا في سلوكيات الإفراد والجماعات. هنا يمكن القول: بأن من أبرز المشكلات التي تواجهها الاحزاب السياسية في علاقتها بالوطنية اليوم هي : مشكلة التعددية الثقافية. هذا ينطبق على كل المجتمعات العربية بما فيها المجتمع المغربي. هذا النقاش هو الغائب في الجملات الانتخابية، غائبة في برامج الأحزاب السياسية.




*أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم الانسانية بأكادير

أحزابنا السياسية والمواطنة

أحزابنا السياسية والمواطنة

بقلم عبد الرحيم عنبي*

سوف أتحدث هذا المساء عن العلاقة بين الحزب السياسي والوطنية، ذلك أن هذا الأخير عليه أن يلعب دور الإطار التربوي على قيم المواطنة والوطنية.
إذا كان هناك اتفاق بين علماء الاجتماع السياسي على أن مفهوم الوطنية أخذ طابعه السياسي بعد أن تشكلت الدول وفرضت الحدود الجغرافية. هنا نجد أن مفهوم الوطنية مفهوم محصور في المعنى السياسي.  كما يصوره لنا علماء السياسة وهذا في الواقع ضيق كثيراً من مفهوم الوطنية وجعله مفهوماً سياسياً أكثر منه مفهوماً إنسانيا شاملاً. معنى ذلك؛ أن الوطنية هي مفهوم متعدد الأبعاد؛ إذ لا تحتوي الوطنية على المعنى السياسي فحسب، وإنما تشمل أيضاً معنى ثقافيا واجتماعيا وأخلاقياً. وهذا يقودنا إلى القول؛ بأن الوطنية هي مجموعة من القيم التي ينبغي أن يتحلى بها أفراد المجتمع،  فحب الوطن هو قيمة والديموقراطية قيمة واحترام الآخر والعمل من أجل تحسين مستويات العيش واحترام ثقافة البلد الذي ننتمي له كلها قيم تؤلف الإطار السياسي للحزب؛ ومن هنا؛ فإن التزام الفرد بهذه القيم يكون عن طريق التربية على المواطنة ؛ أي أن الحزب السياسي هو الذي يلعب هذا الدور؛ عليه أن يربي أفراد المجتمع على قيم تجعله يضعون مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.
 الحزب السياسي أذن يكون هو ذلك الإطار التربوي الذي من خلاله يتعرف أفراده على تاريخ المجتمع وعلى تراثه وبالتالي يتخلون عن القيم الضيقة التي تأسس لوطنيات محلية تؤدي في الغالب إلى الفرقة وإلى عرقلة التنمية.  فالحزب بهذا المعنى يكون هو تلك الأداة الأساسية لتغيير واقع متخلف،  تحكمه ردات الفعل النابعة من الثقافات الضيقة والمذهبية،  حتى يجنب المجتمع السقوط في القيم المتعفنة والتي من شأنها أن تقود البلد إلى الفوضى.  وعليه ؛ فالحزب إذن هو إطار سياسي تحكمه قيم عليا للبلد،  تجعل الأفراد يشتركون بنفس الدرجة في حب الوطن وفي الاستفادة من خيراته،  وأيضا يشتركون بنفس الدرجة في تدبير الشأن السياسي.  ومن هنا ينبغي على الحزب السياسي أن يتحول إلى مدرسة لتـأطير وتكوين الأفراد على حب البلد وعلى قيم المواطنة،  والتي بدونها لا يمكن الحديث عن التنمية.  لكن، أين هي أحزابنا من هذا الطرح، أحزبنا مجرد تجمعات للصراع وللنهب المال العام وجيوب المواطن. أحزابنا تجمعات لبيع وشراء الذمم.





*أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم الانسانية بأكادير

29‏/09‏/2016

الكتابة والتأليف في زمن تسلق المراتب العلمية بالجامعة

الكتابة والتأليف في زمن تسلق المراتب العلمية بالجامعة

بقلم عبد الرحيم عنبي*

الكتابة والتأليف في السوسييولوجيا ليست من الأمور السهلة، ولعل علماء من طينة الدكتور حسن رشيق، والدكتورة رحمة بورقية والدكتور مختار الهراس والدكتور عبد الله حمودي وغيرهم من العلماء المغاربة الذين خبروا هذه الحرفة يدركون حقا صعوبة الكتابة والتأليف وما تقتضيه من خبرة ميدانية وقراءات.
لكن، اليوم هناك جيلا يريد الوصول بسرعة وتسلق المراتب الادارية، فصارت الكتابة تتم في طنجرة الضغط "كوكوت مينوت" لا غرابة في ذلك، حيث السرقات في إعداد الأطروحات والماسترات والمقالات، فالعلماء قبل أن ينشروا يستغرقون مدة طويلة، بحيث يمرضون يختلون في المكتبات وفي الغرف والماكتب، يصرفون ميزانيات لشراء الكتب. أما اليوم بات جيل من اللصوص الذين يسرقون من أجل إعتلاء المناصب وفرض سلطة على زملاء يستحون حتى باتوا يتوارون عن الأضواء لأنهم مقتنعون أن ما يقدم اليوم هو مجرد هرطقات وترهات، كيف لباحث قضى أقل من 3 سنوات في إعداد أطروحته دون ان تطأ رجلاه أهم المكتبات في الرباط والبيضاء، وبدون خجل يتجه صوب أقرب رسالة أو أطروحة أو صوب الوالي الصالح "سيدي كوكل فكاك الوحايل" ليمارس مهنة السرقة. فبالأمس القريب أستاذ علم الاجتماع بكلية علوم التربية، بارباط، ناقش أطروحته بأسرع مدة، حتى أنه لم ينشر أطروحته إلى اليوم، هذا الأستاذ أرسل رسالة إلكترونية إلى العديد من الأساتذة من أجل تجميع المداخلات التي قدمت في المؤتمر الدولي بكندا من بين 4 و8 يوليوز الماضي وبدون حياء قال إستمرار لأشغال المؤتمر ألتمس منكم ارسال مساهماتكم من أجل نشرها ضمن كتاب جماعي والمصيبة أن هذا الأستاذ لم يحضر أشغال هذا المؤتمر كما أنه سجل اسمه من أن يستغل هذا التسجل في الترويج لبضاعته المغشوشة.







*أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم الانسانية بأكادير

27‏/09‏/2016

التفاؤل الزائف والواقع المرير

التفاؤل الزائف والواقع المرير

بقلم أمينة زوجي*  

غالبا ما نصادف عند اجتياز الامتحانات والمباريات المهنية، اسئلة حول استراتيجيات التنمية الاجتماعية والبشرية في المغرب، ودورها في الحد من ظاهرة الفقر، بيد أنه لم يطرح مسبقا أي سؤال عن استراتيجيات مكافحة سياسة التفقير، وعلينا كراغبين في الحصول على وظيفة وتوديع صفوف العطالة، أن نحرص على صياغة مقال وردي، يتفنن في تعداد حسنات الحكومة في بلورة هذه الاستراتيجيات، وما حققته من نتائج عالية الجودة، في حين تبقى أي محاولة للنقد أو التقييم معرضة للإقصاء التام، فنحن مجتمع يتخوف من هؤلاء الذين يجيدون حرفة النقد، يكره مواجهة الحقائق، ويخشى تسليط الضوء على نقاط ضعف برامجه، أو بالأحرى نقاط ضعف طريقة تطبيق هذه البرامج، فقد تعلمنا في إطار الاعداد لمباريات التشغيل، أنه حتى حينما يطلب منك الادلاء برأيك الشخصي المعارض، عليك تقديمه بشكل دبلوماسي لبق، لتأتي التقارير الدولية لتقول ما نعجز عن قوله بشكل مباشر، حيث نجد أن المغرب لا يحقق أي تقدم في سلم التنمية البشرية، بالرغم من هذه الجهود المبذولة، وذلك باستقراره في المرتبة 130 حسب تقرير التنمية البشرية لسنة 2013، وهي مرتبة متدنية ومخزية في نفس الوقت.
لا أدري أين الخلل بالضبط، فحين نفتح القنوات التلفزيونية الوطنية نجد الحكومة تعمل على قدم وساق، نشاهد كما هائلا من التدشينات الضخمة، ونسمع عن ابرام عقود واتفاقيات دولية هامة... للوهلة الاولى تبدو لنا الانجازات عظيمة جدا في مجال التنمية الاجتماعية، والإحصائيات متفائلة على الاوراق دائما، فنسبة الفقر حسب الارقام الاخيرة المتوفرة لدى المندوبية السامية للتخطيط لا تتعدى 8,9 في المائة، أي أقل من نسبة الفقر في الولايات المتحدة الامريكية نفسها، وحينما نتأمل عدد البرامج المسطرة بهدف تقليص نسبة الفقر والهشاشة الاجتماعية، وما يتخللها من مشاريع منجزة وأخرى في طور الانجاز، نتساءل عن السبب الذي يجعلنا رغم كل ذلك، لا نرى في هذا البلد السعيد غير ملامح البؤس والحرمان، تطالعنا مظاهر الفقر ومشتقاته من الظواهر الاجتماعية في كل مكان، في القرى والمدن على حد سواء، قد تؤلمنا أحيانا بما تخلفه في أنفسنا من آثار، وقد تكون سببا في إزعاجنا والتضييق على حريتنا احايين أخرى كثيرة.
نعلم جميعا أن ظاهرة الفقر من بين الظواهر الاكثر انتشارا في العالم كله، وخصوصا في العوالم القروية بسبب ضعف الموارد، وغياب عدة محددات رئيسية، تتمثل في انعدام الولوجيات على غرار المراكز الصحية، الطرق والمدارس...، وترتبط في المدينة بقلة الامكانيات والكفاءات المهنية التي تخول لكل فرد الحصول على عمل يقيه من قسوة الفقر وتبعاته. 
ونرى أن المغرب بإيعاز من الدول المتقدمة، عمل على الانخراط في سيرورة محاربة الفقر والتقليص من تداعيات الاقصاء الاجتماعي والهشاشة الاجتماعية، وذلك عبر تبني سياسة اجتماعية تسعى إلى تحسين نوعية حياة الافراد، تحقيق الرفاه، وضمان تكافؤ الفرص، وقد تمثل ذلك في قيام المغرب بالاستثمار في مجال التنمية الاجتماعية بخلق مجموعة من المؤسسات، والتي تضطلع إلى جانب وزارة التضامن، المرأة، الأسرة والتنمية الاجتماعية، وباقي القطاعات، بمهمة تنفيذ برامج تنموية هدفها تمكين الساكنة الهشة والفئات التي تعاني من العوز المادي والوظيفي، نذكر من بينها التعاون الوطني، منظمة محمد الخامس للتضامن، ووكالة التنمية الاجتماعية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى مؤسسات القروض الصغرى.
وتبدو لنا منهجية هذه المؤسسات من الناحية النظرية على الأقل فعالة وشمولية، حيث تختلف طرقها في التعاطي مع مسألة محاربة الفقر، ففي الوقت الذي نجد فيه مؤسسة كالتعاون الوطني تتكفل بتقديم المساعدات المادية أو الخدمات كالإسعافات، الأدوية والملابس...نجد مؤسسات أخرى تهدف إلى خلق فضاءات اجتماعية لاحتواء الاشخاص في وضعية صعبة كدور العجزة، وبناء مراكز لإيواء المعاقين والأطفال المتخلى عنهم، من أجل القضاء أو التقليص من بعض الظواهر الناتجة إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن الفقر، كالتشرد، التسول والانحراف...
وتعمل مؤسسات أخرى بمبدأ الانتقال من دور المساعدة المادية إلى دور التمكين والتأهيل، عملا بالمثل الصيني "لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد"، عبر تشجيع المشاريع الصغرى و تعلم الحرف، لجعل الفئات التي تعاني من الهشاشة والاقصاء الاجتماعي والتهميش، قادرة على الانخراط في النسق الاقتصادي وبالتالي تحسين وضعيتهم المعيشية.
غير أن استمرار تفاقم ظاهرة الفقر، مؤشر على أن الجانب التطبيقي لهذه المؤسسات لا يوازي الجانب النظري، وشخصيا أشك في مدى قدرة هذه المؤسسات على مقاومة شبح الفقر في المغرب، لا لمحدودية مواردها ولا لضعف إمكانياتها، بل بسبب فساد الذهنيات وشيوع ثقافة النزوع لخدمة المصالح الشخصية لدى الكثير من المسؤولين، فنحن كمواطنين عادين، نلاحظ أن المساعدات والإعانات المقدمة من طرف بعض الجهات، لا تصل إلى من يستحقها دائما، بل تخضع للاستغلال والمساومة، فقد تستعمل في الترويج للحملات الانتخابية المبكرة، وقد يحصل عليها ميسورين بأثمان زهيدة أو مجانا، وربما أقرب مثال يمكن التركيز عليه، يتمثل في بطاقة "راميد" المخصصة للمعوزين للاستفادة من الخدمات الصحية مجانا، والتي تمكن حسب ما أوردته بعض الصحف الوطنية أزيد من 220 ألف ميسور الاستفادة منها على حساب الفقراء، بتواطؤ مع بعض رجال السلطة.
دائما وللأسف نجد أنفسنا أمام عملية استغلال المناصب والنفوذ، لاحتكار خيرات البلاد، وهنا نستحضر حالة الموظفين الأشباح الذين يتقاضون رواتب شهرية مقابل عمل لم يؤدوه يوما ما، و نفس الشيء ينطبق على "الكريمات" والتي هي عبارة عن هبات ملكية، يفترض أن تمنح إما للأشخاص الذين ساهموا في رفع راية المغرب في المحافل الدولية في مجال معين، أو تمنح للأشخاص المعوزين على سبيل المساعدة والإعانة كالمعاقين أو النساء بدون موارد...، غير أن الكثير تمكنوا من الحصول عليها عبر الادعاء والخداع.
أعتقد أن ما نحتاجه لمحاربة الفقر قبل إنشاء أي مؤسسة، أو تسطير أي برنامج، هو محاربة بعض الذهنيات السائدة، مقاومة شبح الجشع المستشري في هياكل المجتمع، حيث صار كل شيء يباع ويشترى بدون وجه حق، الوظائف، الاعانات، الادوية والقيم كذلك أصبحت مجردة من محتواها الاخلاقي.
ان الفقر ليس قدر أو قضاء إلهي محتم، يجب التسليم به، على أساس أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسة مائة سنة، بل هو فعل انساني مقصود أو غير مقصود نتيجة استحواذ فئة صغيرة على خيرات فئة أخرى لا تدرك أن لها حقوقا، في إطار تقاعس أو تواطؤ الجهات المنوطة بحماية وضمان هذه الحقوق، ويمكننا بالأحرى اعتبار أن الفقر ما هو إلا نتيجة سياسة تفقيرية، يمارسها كل إنسان ساهم بشكل من الاشكال في استمرارا ممارسات فاسدة في المجتمع ولو بالصمت وعدم الاكتراث، ونختتم هذا المقال بقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي "اذا رأيت فقيرا في بلاد المسلمين فاعلم أن هناك غنياً سرق ماله".

ملحوظة: نشر هذا المقال بمجلة ديوان العرب بتاريخ 5 أبريل 2014.


*طالبة باحثة حاصلة على الماستر تخصص تربية وإدماج الشباب والاطفال في وضعية صعبة بكلية علوم التربية.
جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©