17‏/10‏/2016

قصيدة شعرية: سهاد الحب

سهاد الحب
بقلم هاجر لمفضلي


ألا يا صبح لا تنادينا
فليل الحب أروى مآسينا
وبدد الدمع عن مآقينا
طيب اللقاء في الليل ينسينا
ما خلفته سنين الهجر فينا
وارتشف حزن ماضينا
فصرنا ثملة على سكره تلاقينا
لا صحو بعده ما دام أقصى أمانينا
سأغفو طويلا فالنشوة ما تزال تحيينا
وتجعلنا لا نخشى شيئا فمن الدنيا قد سخينا
********
عند الظلمة أضأت بالحب ليالينا
وفتحت  له من الممرات ياسمينا
في معبد الحب لا شيء يذكر غير ما خلدته اللوعة فينا
وينتهي الكلام بيننا في ذهول ودهشة اللهفة فينا
أحبك جدا واعرف أن فيض حبي أنهارا سلسبيلا
وأني أحترق في شوق المقل قمطريرا
وأني على شفتيك أذوب كالشمع يقينا
أيا رجلا مزق أضلعي عشقا ولهيبا
بعيدا عن العقل والمنطق صرنا مجانينا
هذا الشوق قاسي الوصل يشعل الحرائق فينا
لا يبقى للقلوب صبر هكذا قدر ليالينا
وجع في الروح يشعله البعد يؤرق مآقينا
آه منك يا عشق تسطو كالملوك فلمن نشكو اللوعة فينا

08‏/10‏/2016

مولانا الشخص المعاق والطريق غير المسلوك

مولانا الشخص المعاق والطريق غير المسلوك

بقلم: محمد مكاوي


اليوم هو يوم القيامة، "والليلة هي ليلتو"؛ كما يقول أهل قريتي في كل  عيد عاشوراء لتردد باقي الفتيات الأخريات، وهن ينقرن بأناملهن على الدفوف: "الليلة يموت العدو". ركبت كرسي المتحرك، و التزمت كباقي المواطنين أن أودي واجبي الوطني .. المشاركة في الانتخابات، واختيار مَنْ يمثلني في المؤسسات التشريعية، ولِم لا وكل دروبي مزينة بألوان الأحزاب، وكل المرشحين طرقوا بابي؛ منهم من وعدني بالشغل، ومنهم من وعدني بكرسي جديد، ومنهم من التزم بالتنازل عن راتبه من أجل الصالح العام، ومنهم من أراد إعادة الكَرة مثنى وثلاث ورباع ووووو... إلخ؟
وحتى أعوان السلطة ألحّوا عليّ للحضور حين مَدّوني بتوصيل يحمل رقمي ورقم مكتب التصويت. توكلت على الله، وامتطيت كرسي المتحرك، أجرجر عجلاته بين دروب تمنيت، منذ أكثر من 40 سنة أن يتم إصلاحها.
انطلقت يوما كاملا قبل الانتخابات. ودعت أسرتي، وحملت معي بطاقتي الوطنية وبعض الزاد، وسافرت نحو مكتب التصويت الذي يوجد في مدرسة قديمة في أحد الأزقة القريبة من حينا، وأنا كُلّي أملٌ في أن أصل في الوقت المحدد.
في درْج باب دارنا، زلّت عجلة الكرسي المتحرك؛ فارتطم جسدي بالأرض، وهمّ المرشحون - لأول مرة - بمساعدتي كي أستوي. نفضوا الغبار عن ظهري، ووعدوني جميعا؛ كما فعل السابقون منهم، بأن يُصْلحوا المداخل والمخارج، وأكدوا لي أنهم إذا وصلوا سأصل أنا أيضا...
قلت في غضب، ويدي تدوس على مقود الكرسي، وأحركه جيئة وذهابا: لقد وصلتم منذ القديم، وما زلت أنا والدرج في مكاننا!
قالوا بأدب: هذا عهد جديد.. عهد دستور 2011، الذي يحارب التمييز على أساس الإعاقة.. عهد القوانين والإنصاف وحقوق الإنسان، وبدأوا يَعْرضون عليّ القوانين والتشريعات الدولية والوطنية، وذكّروني بالمبادئ الثمانية للاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، واستعان بعضهم بخطب أشباه الزعماء، الأموات منهم والأحياء، وقالوا: انظر، يا مولانا الشخص المعاق، إلى برامجنا، وستعرف أنّ الآتي أسوأ، عفواً: أحسن من الآن.
دفعت العجلة ببطء، واندفعت بصوت أزيزها في أذني، وساروا يودعونني، وكل واحد منهم مدّني بصور الشياطين الملونة، والكلام الذي يشبه العزيمة الشَّمْهارُوشِيّة"!...
في الزقاق الأول أوحالٌ جفت منذ شتاء 2000، وبقيت آثار أظلاف حمير مرّت من هنا، وفيها منحدر خطيرٌ على الكرسي المتحرك. تعطلت فرامل كرسيي فجأة؛ فاندفع الكرسي المتحرك بسرعة دون إرادتي. صارت حركاتي على الكرسي كالراكب على بغل.. هبوط وصعود، ثم هبوط وصعود، فارتعاد قوي وكأنني مُمْسك بتيار كهربائي.
في نهاية منحدر الزقاق فتحة وادٍ حارّ سُرق غطاؤها الحديدي. وجدت نفسي أسبح وسط مياهها العادمة وعجلات كرسي المتحرك مشتتة.
للمرة الثانية يسرع أناس يرتدون لباس ألوان الأحزاب، وكلهم يشتمون ويلعنون الحكومات السابقة، وينبهونني بأنها هي التي أهملت هذا الزقاق، وأن الأمل معقود عليهم.
ارتطمتْ جبهتي بفتحة "القادوس"؛ فسال كثير من الدماء على الأرض، وتمزق سروالي، وتشتت مسامير كرسيّ المتحرك وعجلاته.
بتّ الليلة أمام بقايا كرسيّ الجميل، الذي أصلحته عشراتِ المرّات من عرق جبيني... ورغم أن بعض الأحزاب عرضت علي كراسي جلدية وثيرة، أو النقل عبر سيارة فارهة، أو عبر الطائرة، إلى مكتب التصويت إن شئت، فقد أبيت وألحَحْت أن أشارك العرس الوطني، وأن أدلي بصوتي الذي لن أدعه لأحد.
ولأن المصلحة الخاصة في صوتي، لا في شخصي، فقد شُكّلت حكومة مصغرة للطوارئ في الدرب، شهدت تحالفا غريبا بين الذئب والنعجة والكلب؛ من أجل إصلاح الحفر وكرسيي المنكسر،
ضمّدت جروحي، وشَدَدْتُ يدي إلى كتفي، (ثم) نُفِخت عجلات كرسي، التي رَفَضْت تجديدها منذ زمان، حتى لا يقال إنني انتهازي، وكَويت مساميره، وتناولت بعض الطعام من زادي، وواصلت السير في اتجاه الزقاق الثاني بكرسيّ الحبيب، الذي ازداد صوت أزيزه أكثر من ذي قبْلُ.
غمام كثيف في نهاية الزقاق الثاني يحجب اسم المدرسة التي سأدلي فيها بصوتي،
الوقت يشير إلى الخامسة مساءً، وأنا أقترب من المدرسة...
قلت في نفسي: لم يتبقَّ لي إلا ساعتان، وأظهر لهم بأننا - نحن المعاقين - لنا الحق الكامل في الاختيار  والتصويت والمواطنة والكرامة.. لنا الكامل الحق في جميع مؤسسات بلدنا؛ من الصحة إلى التعليم إلى السكن إلى الشغل.. نحنُ المعاقين نستطيع الوصول والبناء، وإننا نحن المعاقين لسنا عالة على أحد.ّ..
أمام باب المدرسة، يقف عددٌ هائل من الناس.. ممثلو السلطة، وممثلو الأحزاب، و ثلة من المواطنين .. كلهم ينظرون إليّ بدهشة، وهم يضعون أياديهم على آذانهم تفاديا لسماع صوت أزيز عجلات الكرسي المتحرك الذي لا يطاق، وكأني قادم من كوكب آخر!.. جسمي ملطخ بالوحل، ويدي اليمنى مربوطة إلى عنقي، و ضماد ملفوف على وجهي ورأسي، وروائح كريهة تنبعث من ملابسي المغمورة بالمياه العادمة...
استوقفني أحدهم في باب المدرسة:
-         إلى أين...؟
-         أريد أن أصوّت.
-         هل أنت بخير؟ .. ما بك؟
 لملمت أنفاسي، وقلت في ضيق: وأنا في طريقي إلى هنا "مدرسة الأمل"، ارتطم كرسيّ المتحركُ بالعديد من الحُفر والعقبات والعقليات والسلوكات المُعِيقة للوصول، ثم مددت له البطاقة الوطنية، فابتسم حتى بانت أسنانه المهترئة، وقال، وهو يعيدها إليّ:
      - اسمك في الطابق الثالث، المكتب رقم 60، وليس أمامك إلا الموت أو الصبر  أو الانصراف.
ازداد غيظي، وبدأت أزبد وأرعد؛ فاندفع جسدي ليرتطم مرة أخرى بالأرض ككيس مملوء عن آخره بالرمل، وتفككت كل أسلاك الكرسي المتحرك من جديد؛ فاندفعت أجَرْجِر جسدي أمام ناظرهم على الأدراج، غير آبهٍ بأسلاك الكرسي، ملحّاً على الوصول...
أخبركم أنه بالأمس أغلقت مكاتب التصويت، وأعلنت النتائج، وعُيّنت الحكومة، ورَسمت تقارير الخونة صورا وردية عن كثافة المشاركة، وأنا ما زلت في طريقي الطويل نحو  المكتب اللعين!...

01‏/10‏/2016

الانتخابات والمواطنة بين التنوع والاختلاف الثقافي

الانتخابات والمواطنة بين التنوع والاختلاف الثقافي


بقلم عبد الرحيم عنبي*




إن التعددية الثقافية لأي مجتمع لا تعتبر في حد ذاتها مشكلة، فمن حق كل فرد وكل جماعة أو جهة أن تعيش وتدبر شأنها المحلي وفق ثقافتها وعاداتها وتقاليدها أو وفق خصوصياتها الثقافية، لكن شريطة أن تكون كل المرجعيات الثقافية قائمة على أساس المصالح الوطنية العُليا، ولا تشكل أي تحريف لمسلمات الوطن. وأعني بالمصالح الوطنية العُليا؛ تلك المصالح التي تهم كل المجتمع وليست مصالح خاصة منعزلة تؤدي في النهاية إلى صراع ثقافي وسياسي في المجتمع؛ من شأنه أن يؤدي إلى التشتت والانفصال. من هنا فالوطنية هي ذلك الإطار الثقافي وذلك النظام السياسي العريق والمتصل بالتاريخ؛ المشترك بين كل المجموعات الاجتماعية على الرغم من الخصوصيات الثقافية . بمعنى أن الوطنية يجب أن تحتوي التعددية الثقافية. ومن ثمة، فإنها تؤدي إلى التلاقي الثقافي، والذي لن يتأتى إلا من خلال الانتماء إلى نظام سياسي عريق ؛ تصبح معه الوطنية مجموعة من القيم الأخلاقية والسياسية و أيضاً مجموعة من القيم السلوكية. و من هنا؛ فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين القيم والسلوك والانتماء إلى نظام سياسي متصل بالتاريخ ، في مجال الوطنية. من هنا تكون الوطنية هي مفهوم يستوعب مجالات مختلفة في واقع حياتنا الاجتماعية. ولكنه يستحضر البعد التاريخي . أي أنه كلما ارتبطنا بالتاريخ ، كلما كان إطار الوطنية قوي وشامل، وكلما ابتعدنا عن التاريخ كلما كان إطار الوطنية هشا ورخوا وضيقا . وأخذنا بالإطار الأول يجعلنا نستحضر علاقة الفرد بالوسط الاجتماعي الإنساني من خلال التاريخ ، وهذا يعطيه انتماء قوي إلى وسطه ، وإذا حافظ الفرد على اتزان حبه وانتماءه لتاريخه وأهله وأبناء جهته ؛ فإنه من الطبيعي أن يحافظ على ذلك بالنسبة للوطن . أما الإطار الثاني ؛ فإنه يجعل الفرد يضع نصب عينيه حسابات ضيقة تقوده لتقديم مصلحته الفردية على حساب المصالح العليا للوطن . وفي الواقع؛ أن الجهات والمجموعات الاجتماعية يجب أن تكون موضوع التقاء كل التوجهات والأفكار والآراء التي تعكس نوعاً من التعددية الثقافية في المجتمع؛ بحيث أن الوطنية إذا لم تكن فوق "التعددية الثقافية" فلن تكون لها جذورا في سلوكيات الإفراد والجماعات. هنا يمكن القول: بأن من أبرز المشكلات التي تواجهها الاحزاب السياسية في علاقتها بالوطنية اليوم هي : مشكلة التعددية الثقافية. هذا ينطبق على كل المجتمعات العربية بما فيها المجتمع المغربي. هذا النقاش هو الغائب في الجملات الانتخابية، غائبة في برامج الأحزاب السياسية.




*أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم الانسانية بأكادير

أحزابنا السياسية والمواطنة

أحزابنا السياسية والمواطنة

بقلم عبد الرحيم عنبي*

سوف أتحدث هذا المساء عن العلاقة بين الحزب السياسي والوطنية، ذلك أن هذا الأخير عليه أن يلعب دور الإطار التربوي على قيم المواطنة والوطنية.
إذا كان هناك اتفاق بين علماء الاجتماع السياسي على أن مفهوم الوطنية أخذ طابعه السياسي بعد أن تشكلت الدول وفرضت الحدود الجغرافية. هنا نجد أن مفهوم الوطنية مفهوم محصور في المعنى السياسي.  كما يصوره لنا علماء السياسة وهذا في الواقع ضيق كثيراً من مفهوم الوطنية وجعله مفهوماً سياسياً أكثر منه مفهوماً إنسانيا شاملاً. معنى ذلك؛ أن الوطنية هي مفهوم متعدد الأبعاد؛ إذ لا تحتوي الوطنية على المعنى السياسي فحسب، وإنما تشمل أيضاً معنى ثقافيا واجتماعيا وأخلاقياً. وهذا يقودنا إلى القول؛ بأن الوطنية هي مجموعة من القيم التي ينبغي أن يتحلى بها أفراد المجتمع،  فحب الوطن هو قيمة والديموقراطية قيمة واحترام الآخر والعمل من أجل تحسين مستويات العيش واحترام ثقافة البلد الذي ننتمي له كلها قيم تؤلف الإطار السياسي للحزب؛ ومن هنا؛ فإن التزام الفرد بهذه القيم يكون عن طريق التربية على المواطنة ؛ أي أن الحزب السياسي هو الذي يلعب هذا الدور؛ عليه أن يربي أفراد المجتمع على قيم تجعله يضعون مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.
 الحزب السياسي أذن يكون هو ذلك الإطار التربوي الذي من خلاله يتعرف أفراده على تاريخ المجتمع وعلى تراثه وبالتالي يتخلون عن القيم الضيقة التي تأسس لوطنيات محلية تؤدي في الغالب إلى الفرقة وإلى عرقلة التنمية.  فالحزب بهذا المعنى يكون هو تلك الأداة الأساسية لتغيير واقع متخلف،  تحكمه ردات الفعل النابعة من الثقافات الضيقة والمذهبية،  حتى يجنب المجتمع السقوط في القيم المتعفنة والتي من شأنها أن تقود البلد إلى الفوضى.  وعليه ؛ فالحزب إذن هو إطار سياسي تحكمه قيم عليا للبلد،  تجعل الأفراد يشتركون بنفس الدرجة في حب الوطن وفي الاستفادة من خيراته،  وأيضا يشتركون بنفس الدرجة في تدبير الشأن السياسي.  ومن هنا ينبغي على الحزب السياسي أن يتحول إلى مدرسة لتـأطير وتكوين الأفراد على حب البلد وعلى قيم المواطنة،  والتي بدونها لا يمكن الحديث عن التنمية.  لكن، أين هي أحزابنا من هذا الطرح، أحزبنا مجرد تجمعات للصراع وللنهب المال العام وجيوب المواطن. أحزابنا تجمعات لبيع وشراء الذمم.





*أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب والعلوم الانسانية بأكادير
جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©