المغرب الأقصى
بلد الاستثناء
رأي حول موقف المغرب من أزمة الخليج
بقلم
إدريس الجنداري*
في علاقة بموقف المغرب من الأزمة الخليجية، و ما
تلاه من ردود فعل اتخذت لحد الآن طابعا إعلاميا، أجد الفرصة مواتية لتوضيح مجموعة
من النقط التي ظلت غامضة في مساري البحثي، و خصوصا ما تعلق منها بالبعد الحضاري
العربي الإسلامي للمغرب.
كنت دائما أحمل وعيا شقيا، في علاقة بعروبة
المغرب، فمن جهة كنت على تمام الوعي بأن المغربي/الإفريقي لن يكون يوما
سعوديا/آسيويا، حتى و لو وظفنا أعتى الأسلحة الإيديولوجية، فللمغرب خصوصيته
الوطنية التي ميزته عن المشرق طوال قرون. و من جهة أخرى، لم أكن قادرا على تصور أي
وجود للمغرب خارج التصور الحضاري العربي الإسلامي. فقبل انتماء المغرب إلى الحضارة
العربية الإسلامية لم يكن شيئا يذكر، كان مزرعة كبرى لروما، و لا وثائق مادية تؤكد
أنه كان للمغرب وجود حضاري سابق عن الحضارة العربية الإسلامية.
كيف يمكن الخروج من هذا الوعي الشقي/ المأزق، ذلك
كان الإشكال الذي أرقني مرارا.
بعد مسار بحثي طويل و شاق، اهتديت إلى شبه حل،
أظن أنه يخفف من الطابع الإشكالي.
المغرب، تاربخيا، ظل يجمع بين اتجاهين يبدوان،
للوهلة الأولى، متناقضين. من جهة، استمر ارتباط المغرب بالأمة العربية الإسلامية،
طوال قرون، و لم يتزحزح يوما عن هذا الانتماء تحت أي داع أو ضغط. و من جهة أخرى،
ظل المغرب محافظا على استقلاله عن مركز الخلافة في الشرق، و ظل محافظا على سيادته
الوطنية كمغرب أقصى بعاصمته التاريخبة مراكش، و لم يتعد ارتباطه بالخلافة
الإسلامية في الشرق حدود الاعتراف الرمزي حفاظا على وحدة الأمة العربية الإسلامية.
ما مدى صلاحية هذه المنهجية راهنا، هذا هو السؤال الأجدى .
أظن أن المغرب ظل محافظا على هذه المنهجية، سواء خلال تاريخه الحديث أو خلال تاريخه المعاصر.
حديثا، ظل المغرب رافضا الانضواء تحت أي تصور
خلافي دامج يهدد خصوصيته، و لذلك ظل المغرب الأقصى الدولة الاستثناء التي لم تدخل
تحت لواء الإمبراطورية العثمانية، و لما نجح التيار الوهابي في اكتساح الجزيرة
العربية، خلال عهد المولى سليمان، ظل المغرب مقاوما للاختراق الوهابي، نخبا سياسية
و ثقافية و شعبا، رغم ميل السلطان المغربي إلى الاتجاه الوهابي.
معاصرا، ظل المغرب محافظا على خصوصيته في مواجهة
التيارات الإيديولوجية التي وظفت مكوني العروبة و الإسلام لتأسيس مشاريعها
السياسية. فالمغرب لم يعبر عن أي ميل نحو الاتجاه القومي/البعثي، و ظل يعتبر أن
العروبة حضارة و ليست إيديولوجية للاستثمار السياسي. و نفس الأمر حدث مع الاتجاه
الإسلامي الإخواني و الشيعي، فالمغرب لم يكن يوما تربة خصبة لهذا التيار
الإيديولوجي، لأن الإسلام في تصور المغاربة أكبر من أن يكون مشروعا إيديولوجيا
ظرفيا عابرا، إنه مشروع حضاري شامل.
اليوم، على وقع الصدامات التي يعيش على إيقاعها العالم العربي الإسلامي، ما أحوجنا إلى استحضار و توظيف هذا الرصيد الحضاري العظيم، الذي نجح، لقرون، في حل معادلة معقدة و صعبة الحل: أن نحافظ على انتمائنا للأمة العربية الإسلامية، و هذا حق دافع عنه الأجداد و ليس منحة من أحد. و في نفس الآن، أن نحافظ على استقلاليتنا عن المرجع المشرقي بجميع تياراته الإيديولوجية و مذاهبه الدينية، و مكوناته العرقية
*كاتب وأكاديمي مغربي، حاصل على الدكتوراه تخصص سوسيولوجيا الأدب من
جامعة محمد الخامس- الرباط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق