05‏/06‏/2017

الغش في الامتحان ونظر في السلطان وفي الأسلوب بيان

الغش في الامتحان ونظر في السلطان وفي الأسلوب بيان

بقلم د.جمال فزة*



تعيش الكليات والثانويات المغربية في مطلع شهر يونيو من كل سنة على إيقاع الامتحانات النهائية، التي تفرض على الأستاذ، بقدرة قادر، أن يتحول إلى ما يشبه دركي أو أحد أفراد القوات المساعدة.
تعتبر فترة الامتحانات فرصة لتحليل ميكانيزمات السلطة كما تتبناها الدولة وتمارسها، بالرغم من أن منطق تدبير المؤسسة التعليمية عموما من المفروض أن يكون بعيدا كل البعد عن منطق تدبير بعض المؤسسات القريبة من الدولة، باعتبارها الجهة الوحيدة التي تطالب بالحق في احتكار العنف المشروع؛ فقاعات الدرس والمدرجات والمكتبة وعمارة الكلية على وجه العموم توحي، على خلاف المؤسسة الأمنية مثلا أو المؤسسة العسكرية أو المؤسسة القضائية، بسيادة منطق مغاير للسلطة والتحكم والمراقبة: منطق المعرفة والبحث العلمي والسعي وراء الحقيقة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. 

 
أكيد توجد اختلافات كثيرة بين تدبير مؤسسة أمنية وتدبير مؤسسة تعليمية، ومع ذلك لا ينبغي أن ننسى أطروحة ميشيل فوكو الرئيسة؛ ومفادها أن السلطة لا توجد متمركزة في جهاز الدولة فحسب، بل توجد منتشرة في كل مكان من النسيج الاجتماعي، وتعمل بطريقة مثلى حيثما يفترض الناس أنها تغيب تماما. يبقى أن أشير كذلك إلى أن فترة الامتحانات هي بالنسبة لي محلالاanalyseur  بلغة التحليل المؤسساتي؛ أي فرصة للكشف عن الأوليات الخفية لاشتغال السلطة، والتي يصعب الإمساك بها في الحالات العادية لسير المؤسسة (فترة الدراسة(.
هذه طريقتي في البرهنة، تليها استنتاجات:
 المبدأ الذي يجب أن تخضع له عملية مراقبة الامتحانات، سواء من طرف الأساتذة أو معاونيهم من الموظفين أو الطلبة الباحثين، هو توفير الجو الملائم ماديا ومعنويا كيما يجتاز الطالب الامتحان في أحسن الظروف.
 
نقصد بالشروط المادية توفير القاعات الملائمة والكراسي المريحة ومكبرات الصوت والسهر على توزيع المترشحين على القاعات بما يسمح وتفادي الاكتظاظ.
ونقصد بالشروط المعنوية؛ تجنب استفزاز الطالب، أو إحراجه أو المس بكرامته.
 
لكن، ليس جميع الطلبة يلتزمون بالقواعد والمعايير المطلوب الالتزام بها في فترة الامتحانات؛ فمن بينهم عدد مهم يعول على الغش.
 
إذن، يجب على المراقبين أن يشددوا المراقبة ويكشفوا عن حالات الغش، احتراما ومبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والامتياز للأفضل. 
يبدو أننا نوجد أمام مشكلة حقيقية أو قل معضلة (un dilemmee): كيف نحارب الغش وفي نفس الوقت نحترم كل الشروط القمينة باجتياز الامتحانات في أحسن الظروف؟
مبدأ كوني:
 إن الأصل في القانون هو البراءة، والأصل في علاقتنا بالوجود هو الإباحة، والأصل في ما يخفى من المشاعر هو حسن النية. فلا يمكن أن ندين شخصا ما، ما لم يتبين بالدليل أنه مذنب، ولا يمكن أن نحرم على الناس شيئا ما، ما لم يتبين بالدليل أنه مضر بالإنسان، ولا يمكن أن نحكم على نوايا الناس، ما بطن منها، إلا إذا تجسدت في سلوك قابل للملاحظة.
قس على ذلك ما يلي:
 لا يمكن للمراقب أن يطلب من المترشح الوقوف طالما بإمكانه أن يكون جالسا على وثائق يستعين بها من أجل الغش. ولا يحق له أن يفتش المترشح لأن هذا الأخير يمكن أن يكون قد وضع وثائق في جيوبه. بكل بساطة لأن المترشح يمكن ألا يكون جالسا على الوثائق المعلومة، ويمكن ألا يكون قد وضع في جيوبه مثل تلك الوثائق. في هذه الحالة يكون المراقب قد مس بالمبدأ الأول للعملية برمتها، وهو في جانبه المعنوي عدم استفزاز الطالب أو إحراجه؛ ما يمكن أن يذمر مشاعره ويحد من إبداعيته.
رب معترض يمكن أن يقول بأنني أبرر الغش وألتمس لمرتكبيه أعذارا.
 
هذا الاعتراض لا يجانب الصواب تماما، بحيث إذا طلب مني أن أختار بين أمرين لا ثالث لهما: التشدد مع الغش وهذا يمس بالحرية والإبداع أم التساهل مع الغش وهذا يوفر للجميع شروط الحرية والإبداع، لاخترت الطرف الثاني من المعضلة.
 وأنتم ماذا تختارون إذا عاينتم جريمة يطعن فيها أحد الأشخاص شخصا آخر بالسكين؟ إسعاف المصاب أم ملاحقة المجرم؟
 لقد اخترت مغامرة الحرية والإبداع ليس لأنني محب للحرية فحسب، بل لأنني أكره السلطوية وأعرف جيدا كيف تبرر وجودها وضرورتها. ماذا لو قلت لكم إن الغش ظاهرة ترتبط بماهية السلطوية؟ فالسلطوية لن يكون لها أي مبرر إذا لم يكن الغش هو السائد في المعاملات بين الناس. إن السلطوية والغش وجهان لعملة واحدة.
انتبهوا!
الغش ليس ظاهرة قيمية وأخلاقية. إنه ظاهرة سياسية وتقع في صلب السلطة.
ملحوظة:
 
عدد مهم من الحالات التي تحال على المجالس التأديبية ليست حالات غش، بل حالات توتر ومشادات كلامية بين المراقبين والمترشحين.
ملحوظة أخرى:
 يمكن لممارس الغش أن يتذلل ويستجدي أو يوقع التزام فيخلى سبيله، لكن غالبا ما يتعرض المترشح الذي احتج على المراقب أو تلاسن معه للعقاب.

استنتاج:

 
تنتعش السلطوية في شروط يسود فيها الغش؛ ففي مثل هذه الشروط تختلط الأوراق، فيصير كل ذي حساسية مفرطة اتجاه السلطة لقمة سائغة للسلطوية. هكذا يوضع الأحرار جنبا إلى جنب مع الغشاشين ليس لأنهم يغشون، بل لأنهم يمسون بهيبة السلطة.
 والآن، ماذا؟ هل تنقدون الخير أم تلاحقون الشرير؟


*كاتب وأستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط.


ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مقالات نافعة 2015 ©