دوافع
وتجليات السلوك الاستهلاكي خلال شهر رمضان
بقلم عمر الايبروكي *
الإفراط في الاستهلاك خلال شهر رمضان سلوك اجتماعي أكثر منه ديني تتحكم فيه قيم التحديث،والتحولات التي عرفتها المجتمعات الإسلامية،بحيث يقبل الناس على المواد الغذائية بنوع من الشره،وبطرق مبالغ فيها مقارنة مع باقي الشهور الأخرى. نحن هنا أمام مجتمعات تجاوزت الواجبات الدينية نحو السلوك الاستهلاكي الفر داني الذي شجعته النماذج الرأسمالية التي تروج للسلع والمنتوجات،وأصبح الفرد المسلم مثل غيره مكبلا بمجموعة من السلوكات الجديدة التي تروم جعله آلة استهلاكية،غايتها البيع والربح فقط.ويمكن الوقوف عند أسباب ومظاهر هذه السلوكات:
من العوامل الكامنة وراء هذه
الظاهرة الرمضانية، الدوافع العامة التي ترتبط بتحولات المجتمعات الإسلامية، وتأثرها
بالتحولات العالمية اقتصاديا وسياسيا لأنها انفتحت على الرغم منها،في إطار ظاهرة
العولمة التي وحدت الأنماط المعيشية ولو شكليا ووضعت هذه المجتمعات تحت رحمة
الشركات الإنتاجية العالمية التي انتهكت الحدود، واخترقت الثقافات لتحول الإنسان إلى
كائن استهلاكي. وارتباطا بهذا لعبت وسائل الإعلام دورا أساسيا في انتشار هذه السلوكات، وكان
للإشهار تأثيره الشديد لأنه يخاطب العقل الباطن في الإنسان الجائع.وأخذت الفضائيات
على عاتقها نشر أشكال الطبخ، وأنواع الأطباق و تعميمها وعولمتها عبر برامج تخاطب
الدوافع اللاشعورية الدفينة غايتها الإشباع الغريزي والالتهام والشره.
والى حدود العقود الأخيرة كانت الوجبات
الغذائية لدى المغاربة متشابهة في شهر رمضان، ومع السنين الأخيرة عرفت الأسر نوعا
من التفاوت وتمايزت الموائد، وتنوعت أشكالها وألوانها. ولم تعد الغاية هي الصيام والإطعام، بل
الاستهلاك الوفير، وكأننا نعيش، مرحلة الانتقام والتعويض عن فترات الندرة حينما
كانت المواد قليلة كما وكيفا، والوجبات متشابهة، والاستهلاك حفيفا.
المفارقة العميقة هي اتساع الهوة بين فئات المستهلكين، بين الأسر التي تعيش
على البذخ، وأخرى أكثر فقرا لا تكاد تجد قوت يومها،وهذا في حد ذاته مخالف لتعاليم الإسلام. نحن
هنا أمام سلوكات اجتماعية جديدة تختفي وراء فريضة دينية، وتلبي حاجات لاشعورية ساهمت
ثقافة الاستهلاك في إذكائها ، وامتزجت
مختلف الثقافات والحضارات على مستوى فنون الطبخ كنتيجة للعولمة وانفتاح المجتمعات
على بعضها البعض.
-
نحن أمام ظاهرة التخفي وراء التدين والاحتفاء برمضان، من اجل الظهور بمظهر الإشباع
الغريزي والنهم والتبذير كشكل من الارتقاء الاجتماعي.
هذه السلوكات في جوهرها تتناقض مع دلالات شهر
الصيام التي - تهدف إلى الإمساك، والرحمة، وإطعام ذوي الحاجة. ما
نلاحظه هو الاستهلاك المفرط، والتنافس في التهام أنواع الطعام والشراب، وفي إعداد الأطباق،
وتعويض ساعات الصيام بالتخمة ليلا.
*دكتور وأستاذ التعليم العالي تخصص علم الاجتماع
ملحوظة: المقال هو عبارة عن تصريح للكاتب في إطار موضوع حول الاستهلاك في شهر رمضان، سنة 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق